مقالها، خاطئة في فعالها). قلت: وقد أثبت العلم الحديث أن الكذب يُعرف بعلامات وإشارات في الناصية، وهو من الإعجاز العلمي لهذا القرآن العظيم.
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾. قال ابن عباس: (يقول: فليدع ناصره). والمقصود: ليدع قومه وأهل ناديه. والنادي: المجلس الذي يجلس فيه القوم.
وقوله تعالى: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾. قال مجاهد: (الملائكة). والمقصود: ردٌّ على غرور أبي جهل الذي زعم الاستنصار بعشيرته وأهل ناديه، فتحدّاه اللَّه بأمْرِ ملائكته الغلاظ الشداد بأخذه وإلقائه في نار السعير التي تخزيه.
وقد مضى في رواية ابن جرير من طريق ابن عباس: [فقال -أي أبو جهل-: لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديًا. فغضب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّه ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾. فقال ابن عباس: فواللَّه لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه].
والزبانية ملائكة العذاب، واحِدهم زِبْنِيّ كما ذكر الكسائي. وقال الأخفش: (زابن). وقال أبو عبيدة: (زِبْنِية). وقيل: زَبَانِيّ. وقال قتادة: (هم الشُّرَط في كلام العرب). قال القرطبي: (وهو مأخوذ من الزَّبْن وهو الدفع، ومنه المزابنة (١) في البيع.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾. كلّا: ردع لأبي جهل. أي: لا تطعه يا محمد فيما دعاك إليه من ترك الصلاة، وصلّ للَّه غير مكترث به، ولا مبال بنهيه ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ إليه سبحانه بالطاعة والعبادة. قال النسفي: (﴿وَاسْجُدْ﴾ ودُمْ على سجودك يريد الصلاة ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ وتقرب إلى ربك بالسجود، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد).
قلت: وهذا المعنى مستنبط من الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء] (٢).
وقد ثبتت السجدة -سجدة التلاوة- في آخر هذه السورة: ففي صحيح مسلم عن عطاءِ بنِ ميناءَ، عن أبي هريرة قال: [سَجَدْنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾. و ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾] (٣). ورواه أصحاب السنن.

(١) هي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٤٨٢) - كتاب الصلاة. باب ما يقال في الركوع والسجود.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٥٧٨) ح (١٠٨ - ١٠٩)، وأخرجه أبو داود (١٤٠٧)، والنسائي (٢/ ١٦٢)، والترمذي (٥٧٣)، وابن ماجة (١٠٥٨).


الصفحة التالية
Icon