خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)}.
في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن مصير كفرة أهل الكتاب والمشركين، أنهم في نار جهنم نار الجحيم، خالدين فيها مع أشقياء البرية والمجرمين. ثم تقرير اللَّه جلت عَظمته أن أهل الإيمان والعمل الصالح هم خير العالمين، جزاؤهم عند ربهم الخلود في جنات النعيم، تجري من تحتهم الأنهار ناعمين غانمين، لقد رضي اللَّه عنهم ورضوا عنه فاستحقوا عنده الخلود آمنين مطمئنين.
قال ابن جرير: (﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شرّ من برأه اللَّه وخلقه). والبرية في لغة العرب: الخليقة. قال الرازي: (البَرَى: التراب. والبرِيّة: الخَلْق، وأصله الهمزة، والجمع "البرايا" و"البَرِيّات". وقد "براه" اللَّه أي: خَلَقَه).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾. أي: خير الخليقة حالًا، لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم إخباتًا، ولذلك سيكونون خير الخليقة مصيرًا ومآلًا.
وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أنس بن مالك قال: [قال رجل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا خير البرية، قال: "ذاك إبراهيم"] (١). أخرجه الترمذي عند تفسير هذه الآية.
ومن كنوز صحيح السنة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج النسائي وأحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: [أنّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرَج عليهم وهم جلوس فقال: ألا أُخبركم بخير الناس منزلة؟ قلنا: بلى، قال: رجل ممسك برأس فرسه في سبيل اللَّه حتى يموت أو يقتل. قال: فأخبركم بالذي يليه؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه، قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل الناس. قال: فأخبركم بشر الناس منزلة؟ قلنا: نعم يا رسول اللَّه، قال: الذي يسأل باللَّه العظيم، ولا يعطي به] (٢).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٧/ ٩٧). وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٧٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه النسائي (١/ ٣٥٨)، والدارمي (٢/ ٢٠١ - ٢٠٢)، وابن حبان في =


الصفحة التالية
Icon