عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: [كان يحب أن ينهضَ إلى عدوه عند زوال الشمس] (١).
وهذا الوقت وقت راحة وتعب وقيلولة، فكان يحب عليه الصلاة والسلام أن يباغت به عدوه.
وفي رواية أخرى للحديث: [كان يعجبه أن يلقى العدو عند زوال الشمس].
وروى أبو داود والنسائي بسند صحيح عن كعب قال: [كان إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها] (٢).
وذلك لتحصل المباغتة والهجوم المفاجئ، فإن الحرب خدعة، والمؤمنون هم أحق الناس في الأرض بتعلم فنون المباغتة وطرق كبت العدو.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾. هو جواب القسم. والمعنى: إن الإنسان لربه لكفور. قاله ابن عباس ومجاهد. وقال الحسن البصري: (هو الكفور الذي يعدّ المصائب، وينسى نعم ربه). وقال: (﴿لَكَنُودٌ﴾ يقول: لوّام لربه يعدّ المصائب). وَكَنَدَ -في لغة العرب- كفَرَ النّعمة فهو كنود. قال النسفي: (﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ لكفور، أي: إنه لنعمة ربه خصوصًا لشديد الكفران).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾. فيه تأويلان حسب موقع الضمير:
التأويل الأول: إنّ اللَّه على كنود الإنسان رثه لشهيد: -يعني لشاهد- وهذا من باب الوعيد. قال قتادة: (﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ قال: يقول: إن اللَّه على ذلك لشهيد). وقال سفيان: (يقول: وإنّ اللَّه عليه شهيد).
التأويل الثاني: إن الإنسان على كونه كنودًا لشهيد. قال ابن كثير: (أي: بلسان حاله. أي ظاهرٌ ذلك عليه في أقواله وأفعاله).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾. فيه تأويلان متكاملان:
التأويل الأول: إنه لحب المال لشديد. قال القرطبي: (أي لقوي في حبه للمال).
التأويل الثاني: إنه لحريصٌ بخيل، من محبّة المال. قال ابن جرير: (قال بعض
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح الجامع (٤٥٣٨)، وكتابي: السيرة النبوية (٢/ ٧٨٩) لتفصيل البحث.