والمعنى: وتكون الجبال يومئذ كالصوف الملون بالألوان المختلفة الذي نُفِشَ بالندف. وهذا لأنها تتفتت وتطّاير. قال قتادة: (العهن: هو الصوف. وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء). قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش. والعهن: هو الألوان من الصوف).
وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾. أي: أعماله الصالحة. والموازين: الوزن. والمقصود: رجحت حسناته على سيئاته في الميزان.
والميزان كما دلت السنة الصحيحة هو لِوَزْنِ الأعمال يوم القيامة، وله كفتان حسيتان مشاهدتان، وهو ميزان دقيق عالي الحساسية والدقة، يعطي الوزن الصحيح لكل عمل حسب قيمته وظروف القيام به، والغربة التي رافقته، ودواعي النفس والسوء التي صاحبته، وخَلاصُه من الرياء وحبّ السمعة، وبُعده عن الظهور وحب الرياسة، والأذى الذي لحق بصاحبه، والصبر الذي صُرِفَ له، وكظم الغيظ ومعالي الأخلاق وجميل الحلم الذي احتُسِبَ للَّه عنده، فقد هيأ اللَّه هذا الميزان يوم القيامة ليؤشر ويدخل في الحساب هذه الدقة العالية.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ٨ - ٩].
ومن صحيح السنة العطرة في مفهوم ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الحاكم بسند جيد عن سلمان، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب: لِمَنْ يزن هذا؟ فيقول اللَّه تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. ويوضع الصراط مثل حد الموسى فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي. فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال

(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٤/ ٥٨٦). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (٩٤١).


الصفحة التالية
Icon