التكاثر، أو لفعلتم ما لا يوصف ولكنكم ضلال جهلة).
وقوله تعالى: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾. أي: في الآخرة. قال القاسمي: (قوله تعالى: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ جواب قسم مضمر، أكّد به الوعيد، وشدّد به التهديد، وأوضح به ما أُنذروه تفخيمًا).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾. ﴿عَيْنَ﴾ هنا بمعنى "نفس". والمقصود: ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والرؤية بأعينكم. والتكرار بِثُمَّ -التي تفيد العطف- إنما هو للتغليظ في التهديد، والزيادة في التهويل والوعيد. وقيل: الرؤية الأولى بالقلب والثانية بالعين، والمعنى الأول أرجح، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾. أي: ثم لتسألن يوم القيامة عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن شكر اللَّه والعمل للآخرة.
قال مجاهد: (﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قال: الأمن والصحة). وقال ابن عباس: (النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار). وقال سعد بن طريف عن أبي جعفر: (﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قال: العافية). وقيل: الطعام والشراب.
قلت: والنعيم كلمة جامعة للأمن، والصحة، والفراغ، وملاذّ المأكول والمشروب، والماء البارد عند الظمأ، وظلال المساكن والأشجار عند تقلب الأجواء. وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها إلا اللَّه.
ففي التنزيل من آفاق ذلك:
١ - نعمة استواء الخلق واكتمال صورته. قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤]. وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨].
٢ - نعمة الماء والنبات والشجر. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٠ - ١١].
٣ - نعمة الدواب والمسكن والملبس. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٨٠) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ


الصفحة التالية
Icon