بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١ - ٩. قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)﴾.
في هذه الآيات: التحذير الشديد من الغيبة والطعن واللمز في السر والعلن، والوعيد الأكيد على عبيد المال الذين ينفقون أموالهم في المنكرات والفتن، فإن نار اللَّه الموقدة، تطلع على الأفئدة، ولها أبواب على أهلها مؤصدة، مطبقة بإحكام بعمد ممددة.
فقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾. أي: خزي أو عذاب أو هَلَكة للهمزة، وهو الذي يغتاب الرجل في وجهه، واللمزة الذي يغتابه من خلفه. قال ابن عباس: (﴿هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾: طعَّان معياب). وكان أمية بن خلف إذا رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- همزه ولمزه. وقيل فيه نزل: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾.
قال ابن هشام: (الهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، واللمزة الذي يعيب الناس سرًا ويؤذيهم). وقال الربيع بن أنس: (الهُمَزة، يَهْمِزُه في وجهه، واللُّمَزَةُ من خَلْفِه). وقال قتادة: (يَهْمِزُهُ ويلمِزُه بلسانه وعَيْنِه، ويأكل لحوم الناس، ويطعنُ عليهم). وقيل: الهمّاز بالقول، واللمّاز بالفعل. وقال مجاهد: (الهَمْزَةُ باليد والعين، واللَّمْزَة باللسان).
قلت: وفي لغة العرب: الهمز كاللَّمز وزنًا ومعنى. والهمَّاز العَيَّاب. واللَّمز العيب وأصْلُه الإشارة بالعين ونحوها. ولُمَزَة بوزن هُمَزَة أي: عَيَّاب. والراجح أن اللّمزَ في السر والهمز في العلن. وفي التنزيل: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١].
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾. بيان لسبب همزه ولمزه، وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن له به الفضل، فهو لذلك يستقصر غيره.
وعن السّدي: (﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾ أي: جَمَعَهُ بعضَه على بعض، وأحصى


الصفحة التالية
Icon