أبي سفيان، كانت امرأة سليطة تؤزها على كراهية محمد ودينه علل شتى، ولذلك لم تأل جهدًا بالنيل منه ومن الإسلام، فبسطت فيه لسانها أيما بسط وتطاولت وتمادت.
يروي أبو يعلى في مسنده، والحاكم في مستدركه، بسند حسن لغيره، عن أسماء قالت: [لما نزلت: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ أقبلت أم جميل بنتُ حرب امرأةُ أبي لهب وهي تنشد: مُذَمَّمٌ أبَيْنا، ودينه قَلَيْنا، وأمره عَصَيْنا، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فسألت أبا بكر إن كان النبي قد هجاها فنفى ذلك] (١).
فيبدو أنها سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر وفي يدها حجارة -كما يروي ابن هشام-: [فأعماها اللَّه عن رؤية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا أبا بكر! أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، واللَّه لو وجدته لضربت بِهذا الفِهر (٢) فاه، أما واللَّه إني لشاعرة:
مُذَمَّمًا عَصَيْنا... وأمْرَهُ أَبَيْنا... ودينَه قَلَيْنا
ثم انصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه، أما تراها رأتك؟ قال: "ما رأتني، لقد أخذ اللَّه بصرها عني"] (٣).
وفي رواية عند البزار: (قالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق).
وكان يفرح عليه الصلاة والسلام حين يحرفون اسمه لضده ويشتمون (وهو قولُهم مذمَّمٌ بدل محمد)، لأن اسمه مدح كله، فلا يقع الشتم بذلك عليه.
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ألا تعجبون

(١) حسن لغيره. أخرجه أبو يعلى (١/ ١٥٣ - ١٥٤)، والحاكم (٢/ ٣٦١)، وانظر تفصيل البحث في كتابي: السيرة النبوية (١/ ٢١٠ - ٢١٢).
(٢) الفِهْر -بكسر الفاء- الحجر ملء الكف.
(٣) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٤٢ - ٣٤٣)، ورواها الحميدي (١/ ٣٢٣) بهذا اللفظ عن أسماء بنت أبي بكر، وحسنه الحافظ في "الفتح" (٨/ ٦١٠).


الصفحة التالية
Icon