قال ابن كثير: (﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾، وكانت زوجتُه من سادات نساء قريش، وهي أمُّ جَميل، واسمها أرْوَى بنتُ حَرْب بن أُمَيّة، وهي أخت أبي سفيان. وكانت عونًا لزوجها على كُفْرِه وجُحودِه وعِناده، فلهذا تكونُ يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جَهنم. ولهذا قال تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾، يعني: تحملُ الحطب فتلقي على زَوْجها، ليزدادَ في ما هو فيه، وهي مُهَيَّأةٌ لذلك مستعدة له).
قلت: والتأويل الأول أظهر وأنسب لعبارة الآية، وأما التأويل الثاني والثالث فيحتمله البيان والإعجاز، واللَّه تعالى أعلم.
ونصب عاصم ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ على الشتم، ويسوغ الوقف على ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ لأنها عطفت على الضمير في سيصلى، والتقدير: سيصلى هو وامرأته، أعني حمالة الحطب. ورفع غيره ﴿حَمَّالَةَ﴾ على أنها خبر، وامرأته مبتدأ.
وقوله تعالى: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾. الجِيد: العنق. قال ابن زيد: (﴿فِي جِيدِهَا﴾ قال: في رقبتها). والمسد: الليف. وقال الرازي: (المَسَدُ أيضًا حَبْلِ من لِيف أو خُوصٍ وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارِها. و"مَسَدَ" الحَبْلَ أجادَ فَتْلهُ). قال الضحاك: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ قال: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به). وقال ابن زيد: (﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد، وكانت تفتل، وقال: ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾: حبل من نار في رقبتها). وقال قتادة: (قلادة من ودع). وقال عروة: (سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعًا).
وقال سعيد بن المسيب: (كانت لها قِلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللاتِ والعزى لأنفقنها في عداوة محمد. ويكون ذلك عذابًا في جيدها يوم القيامة).
قلت: والراجح من المعنى مما يناسب السياق: في عنقها حبل مما مسد من الحبال -والمسد الذي فتل من الحبال فتلًا شديدًا من ليف كان أو جلد أو غيرها- فهي تحمل حزم الشوك وتربطها بذلك الحبل في جيدها في النار جزاء من جنس العمل، واللَّه تعالى أعلم.
وهذه السورة العظيمة تحدّى اللَّه تعالى فيها أبا لهب وزوجته، اللذين أصَرّا على معاداة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتكذيب الوحي والنبوة، فتحدّاهما تعالى بأنهما لن يؤمنا، لا ظاهرًا