وكذلك عن عكرمة قال: (إن المشركين قالوا: يا رسول اللَّه أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أي شيء هو! فأنزل اللَّه ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إلى آخر السورة).
وعن قتادة قال: (جاء ناس من اليهود إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: انسب لنا ربك فنزلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ حتى ختم السورة).
وبنحوه من طريق ابن إسحاق عن محمد عن سعيد قال: (أتى رهط من اليهود إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا محمد هذا اللَّه خلق الخَلْقَ، فمن خلقه؟ فغضب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى انتُقِعَ لونه، ثم ساوَرَهم غضبًا لربه، فجاءه جبريل عليه السلام فَسَكَّنَهُ، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد! وجاءه من اللَّه جواب ما سألوه عنه. قال: يقول اللَّه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
قال الحافظ ابن كثير: (وقال عكرمة: ولما قالت اليهود نحن نعبد عزير بن اللَّه، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح ابن اللَّه، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقال المشركون: نحن نعبد الأوثان، أنزل اللَّه على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾).
قلت: والصحيح المسند من ذلك ما رواه الترمذي بسند حسن عن أبي بن كعب: [أن المشركين قالوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- انسُب لنا ربك؟ فأنزل اللَّه تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾] (١).
والمعنى أنه اللَّه الواحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا شبيه ولا عديل، فهو وحده الكامل في صفاته وأفعاله. وأما قوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ففيه معان جليلة ذكرها المفسرون:
الأول: السيد. قال ابن عباس: (هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو اللَّه سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان اللَّه الواحد القهار).
وعن الأعمش عن شقيق قال: (الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده).

(١) حديث حسن. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٨٠) - كتاب التفسير - سورة الإخلاص.


الصفحة التالية
Icon