وقوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. قال ابن جرير: (ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر اللَّه ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ يقول: هم المغبونون حظوظهم من كرامة اللَّه ورحمته تبارك وتعالى).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. قال الضحاك، عن ابن عباس قال: (ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكي، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرّة فلا يعطاها، فقال رجل: أما تتقي اللَّه، يسأل المؤمن الكرّة؟ قال: نعم، أقرأ عليكم قرآنًا، فقرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ فقال الرجل: فما الذي يوجب عليَّ الحج؟ قال: راحلة تحمله، ونفقة تبلغه).
وعن سفيان: (قوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: الزكاة والحج).
قلت: والآية عامّة في الحثّ على الإنفاق في الطاعات، فكل مُفَرِّط يندم عند الاحتضار، ويسأل الزيادة في العمر ويتمنى الرجعة ليستعتب مما فات، ويتدارك نفسه قبل أن يصير في الأموات، ولكن هيهات هيهات، فقد كان ما كان وأتى ما هو آت.
قال الحافظ أبو القاسم الطَّبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نَجْدَة الحَوْطِيُّ، حدثنا المغيرة، حدثنا حَريزُ بن عثمان، عن نُعَيم بن نَمْحَة قال: كان في خُطبة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-: (أما تعلَمون أنكم تَغْدون وتَروحون لأجل معلوم. فمن استطاعَ أن يقضِيَ الأجل وهو في عَمَلِ اللَّه -عزَّ وجل- فليفعَلْ، ولن تنالوا ذلك إلا باللَّه عزَّ وجل، إن قومًا جَعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم اللَّه أن تكونوا أمثالهم: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، أينَ مَنْ تَعْرِفون مَن إخوانكم؟ قدِموا على ما قدّموا في أيام سَلَفِهم، وخَلُّوا بالشِّقوة والسعادة، أين الجبّارون الأوّلون الذي بَنَوا المدائنَ وحَفَّفُوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصَّخرِ والآبار. هذا كتاب اللَّه لا تفنى عجائبُه فاستضِيئوا منه ليوم ظُلمَةٍ، واستنصحوا كتابه وتبيانه، إِن اللَّه أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠]، لا خيرَ في قول لا يُراد به وجهُ اللَّه، ولا خير في مالٍ