الجنة حتى ما يكونُ بينه وبينها غيرُ ذراع أو ذراعين، فَيَسْبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهل النار فيدخُلُها] (١).
الحديث الرابع: أخرج الشيخان وابن حبان من حديث سهل بن سعد مرفوعًا: [إنّ الرجل ليَعْملُ عملَ أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإنّ الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة] (٢).
والمقصود: تعلق علم اللَّه الأزلي بكل معلوم، فيجري ما علم وما أراد وما حكم.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. أي: واللَّه الذي خلقكم بصير بأعمالكم، فاحذروا غضبه وما يعقب مخالفة أمره ونهيه.
وقوله: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: خلق السماوات السبع والأرض بالعدل والإنصاف). وقال ابن كثير: (﴿بِالْحَقِّ﴾: بالعدل والحكمة).
وقوله: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾. قال ابن عباس: (يعني آدم خلقه بيده).
قلت: بل الآية تعم جميع الخلائق، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤]. قال النسفي: (﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه).
وقوله: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾. أي: المرجع، فيجازي كلًا بعمله، فأحسنوا سرائركم وأعمالكم كما أحسن اللَّه صوركم.
وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. قال الزمخشري: (نبه بعلمه ما في السماوات والأرض، ثم بعلمه ما يسرّه العباد ويعلنونه، ثم بعلمه ذوات الصدور، أن شيئًا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه، ولا عازب عنه، فحقه أن يتقى ويحذر، ولا يجترأُ على شيء مما يخالف رضاه. وتكرير العلم، في معنى تكرير الوعيد. وكل ما ذكره بعد قوله تعالى: {فَمِنْكُمْ

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٥٩٤) - كتاب القدر. ورواه مسلم (٢٦٤٣)، وأبو داود (٤٧٠٨)، والترمذي (٢١٣٧)، وابن ماجة (٧٦)، وأحمد (١/ ٤١٤).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٩٨)، (٦٤٩٣)، ومسلم (١١٢)، وابن حبان (٦١٧٥)، والبيهقي في الدلائل (٤/ ٢٥٢)، وأحمد (٥/ ٣٣١).


الصفحة التالية
Icon