وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)}.
في هذه الآيات: تنبيهُ اللَّه تعالى عباده المؤمنين إلى فتنة الأزواج والأولاد والأموال وما قد يشغل عن ذكره والجهاد في سبيله، والحث على التقوى والسمع والطاعة والإنفاق في سبيل اللَّه لنصرة دينه.
فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾. تنبيه المؤمنين إلى مواطن من العداوة تصد عن طاعة اللَّه وتلهي عن ذكر اللَّه. فإن من الأزواج أزواجًا يعادين بعولتهن ويُثَبِّطْنَهم عن العمل الصالح، وربما حَمَلْنَهم على بعض الأعمال المنكرات، وكذلك فإنّ نحو هذه العداوة قد يتسبب بها الأولاد.
أخرج الترمذي بسند حسن عن ابن عباس، وسأله رجل عن هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾. قال: [هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، أن يأتوا رسول اللَّه، فلما أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم، فأنزل اللَّه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ الآية] (١). وفي رواية ابن أبي حاتم: (فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾).
وعن مجاهد: (﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ قال: يحمل الرجلَ على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع الرجلُ مع حُبِّه إلا أن يطيعه). وقال ابن زيد: ﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾: يعني على دينكم).
وفي التنزيل نحو ذلك:
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].

(١) حسن صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (٣٣١٧) - كتاب التفسير - سورة التغابن. وانظر صحيح الترمذي (٢٦٤٢). ورواه الطبري (٣٤١٩٨). ورواه الحاكم وابن أبي حاتم.


الصفحة التالية
Icon