وأخرج الإمام أحمد بسند حسن في الشواهد عن الشَّعبي قال: [حَدّثنا الأشعث بن قيس قال: قَدِمْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وَفْدِ كِنْدَةَ، فقال لي: هل لكَ من ولَد؟ قلتُ: غلامٌ وُلِدَ لي في مخرجي إليك من ابنة حَمَد، ولَودِدْتُ أن بمكانه شِبَعَ القوم. قال: لا تقولَنّ ذلك، فإن فيهم قُرّة عين، وأجرًا إذا قُبضوا، ثم قال: ولئن قلت ذاك إنهم لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ، إنهم لمجبنة مَحْزنة] (١).
وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. أصل عظيم من أصول هذه الشريعة المطهرة، وجواب من جوامع الكلم لكثير من المسائل الفقهية المستعصية. والمقصود: استوفوا جهدكم معشر المؤمنين في تقوى ربكم وابذلوا طاقتكم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه] (٢).
وقوله: ﴿وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾. قال ابن كثير: (أي: كونوا مُنقادين لما يأمُركم اللَّه به ورسولُه، لا تحيدوا عنه يمنةً ولا يسْرَةً، ولا تُقَدِّموا بين يدي اللَّه ورسوله، ولا تَتَخَلَّفوا عما أُمِرتم، ولا تركَبوا ما عنه زُجِرتم).
وقوله: ﴿وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾. قال ابن جرير: (يقول: وأنفقوا مالًا من أموالكم لأنفسكم تستنقذوها من عذاب اللَّه. والخير في هذا الموضع المال). والمراد: بذلُ المال على الفقراء من الأرحام والقرابات، والمساكين من المسلمين ذوي الحاجات.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. أي: ومن يدافع السقوط فينصره اللَّه على هوى نفسه وبخلها وشحها وحرصها وطمعها يصبح من المفلحين الناجين المدركين آمالهم عند ربهم.
وفي التنزيل:
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ٨ - ١١].
وفي صحيح مسلم عن جابر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اتقوا الظلم، فإن الظلم

(١) حسن بشواهده. أخرجه أحمد (٥/ ٢١١)، والحاكم (٤/ ٢٣٩)، والطبراني (٦٤٦).
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (١٣٣٧)، وسنن النسائي (٥/ ١١٠)، في أثناء حديث طويل.


الصفحة التالية
Icon