المبحث الأول
التعريف بالقرآن الكريم والقراءات
قبل أن أتكلّم عن القراءات؛ فإنه يسوغ لي أن أتكلم عن الأصل الأول، وهو القرآن العظيم المجيد الذي هو كلام الله - عز وجل -، ورحمتُه لهذه الأمة، ومأدبة الله في أرضه، مَن أخذَه؛ فقد أخذ بنصيب وافر من إرث النبوة، ومَن حفظه ووعاه في صدره؛ فقد استدرج النبوّة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه.
قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ (١)؛ "كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدَكم، وحُكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء ولا يَخْلق على كثرة الرّد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ (٢)، مَن علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم" رُوي عن عليّ - رضي الله عنه - مرفوعا (٣).
_________
(١) سورة العنكبوت: ٤٩.
(٢) سورة الجن: ١.
(٣) رواه الترمذي في باب ما جاء في فضل القرآن، وقال الترمذي: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيّات، وإسنادُه مجهول، وفي حديث الحارث مقال": = (٥/ ١٥٨)، وأخرجه الدارمي في سننه: (٢/ ٥٢٦) في باب فضل من قرأ القرآن، وأخرجه أحمد في مسنده بنحوه: (١/ ١١٤، الحديث: ٧٠٧). وانظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري: (٨/ ١٧٥)، والراجح وقفه على أمير المؤمنين عليّ - رضي الله عنه -. قال ابن كثير: والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث فلا، والله أعلم. وقُصارى هذا الحديث أنه من كلام أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، وقد وهِم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح، على أنه رُوي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي - ﷺ -. انظر: فضائل القرآن لابن كثير ص ٢٥.