(شرٍ)، وأن (ما) نافية وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيةٌ على مذهبٍ باطل." (١).
وفي هذه القراءة الباطلة جُعلت (شرٍ) موصوفةٌ ومفسَّرة بما بعدها: (ماخلق)، على اعتبار أن (ما) نافية، فيكون المعنى: أنهم يستعيذون من شرٍّ لم يخلقه الله، بل خلقه فاعله، وذلك لتقرير مذهبهم الاعتزاليّ الباطل، حيث يُثبتون أن العباد يخلقون الشّر نظيرًا لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين: أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشّر (٢).
الشاهد: على هذه القراءة الباطلة يكون قوله: (ما خلق) بيانًا متصلًا لقوله" (شرٍ)، وفي ذلك إثباتٌ أن الله لا يخلق الشّر، واستدلوا به على أن العبد يخلق فعله، وهو مذهبٌ باطل.
والصّحيح في تفسير الآية: أن (ما) موصولة، والمراد بالشر: عموم الشّر، فتشمل كل شر خلقه الله تعالى، وليس في إثبات خلق الله للشر عيبٌ ولا نقص.
وقد فصّل ابن القيم في معنى الشّر في الآية، عند تفسيره للمعوذتين،
فقال:
و(ما) هاهنا موصولةٌ ليس إلا، والشّر مسندٌ في الآية إلى المخلوق المفعول، لا إلى خلق الرب تعالى الذي هو فعله وتكوينه، فإنه لا شرّ فيه بوجه ما؛ فإن الشرّ لا يدخل في شيء من صفاته ولا في أفعاله، كما لا يلحق ذاته تبارك وتعالى؛ فإن ذاته لها الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وأوصافه كذلك لها الكمال المطلق والجلال التام، ولا عيب فيها ولا نقص بوجه ما، وكذلك أفعاله كلها خيراتٌ محضة، لا شرّ فيها
_________
(١) وتنسب هذه القراءة إلى عمرو بن عبيد. يُنظر: المحرر الوجيز (٥/ ٥٣٨).
(٢) وقد زعمت القدرية إلى قريب من ذلك، فقالت: إن الله يخلق الخير وإن الشيطان يخلق الشر.
الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري (ص: ١٥)، ويُنظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، لابن تيمية (٢/ ٥٨٨).