كما قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره، فإن كانت جميلةً تزوجها من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمةً رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره؛ لئلّا يشاركه في مالها، فنهوا أن ينكحوهنّ إلا أن يُقسطوا إليهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصّداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ، أي: كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال والجمال، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مالٍ وجمالٍ إلا بالإقساط إليها، والقيام بحقوقها كاملةً غير منقوصة.
وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - يبيّنه ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ (١)، وقالت - رضي الله عنها -: إن المراد بما يُتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ الآية، فتبيّن أنها يتامى النّساء بدليل تصريحه بذلك في قوله: ﴿يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ الآية، فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهنّ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهنّ، وجواب الشرط دليلٌ واضحٌ على ذلك؛ لأن الرّبط بين الشرط والجزاء يقتضيه، وهذا هو أظهر الأقوال" (٢).
فلا يُفهم من الآية قصر مشروعية التّعدد على اليتامى منهنّ، فتعدد الزوجات معلوم من الدِّين بالضرورة. ، فهو شريعةٌ ربانيةٌ أباحها الإسلام، وجعل لها ضوابط وأحكامًا تحكمها.
_________
(١) سورة النساء: ١٢٧.
(٢) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط: دار الفكر (١/ ٢٢٠، ٢٢١)، للاستزادة، وعرض الأقوال: جامع البيان (٧/ ٥٣١).