قال ابن النّحاس: " لما اتّصل الكلام بما قبله تبيَّن المعنى، وعُرف المشكل " (١).
بل إنه قد يختلف الوقف الواحد في نوعه باختلاف تفسير المفسِّرين وتأويلهم لمعنى الآية، كقوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ (٢)، فقد ورد في تفسيرها وجهان:
الأول: أن التَّحريم والتيه كان أربعين سنة (٣)، بنصب ﴿أَرْبَعِينَ﴾ بـ ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾ على تفسير (التحريم)، فعلى هذا يكون الوقف على: ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾، وهو اختيار ابن جرير، حيث يقول: "إِنما نصبت بالتَّحريم، والتَّحريم كان عامًا في حق الكلّ، ولم يدخلها في هذه المدة منهم أحد " (٤).
وقيل الوقف على ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، ثم يستأنف: ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ (٥).
الثاني: أن (التَّحريم) كان أبداً، وأن (التِّيه) كان أربعين سنة، بنصب ﴿أَرْبَعِينَ﴾ بـ ﴿يَتِيهُونَ﴾، فعلى هذا يكون الوقف على ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ (٦).
قال الزَّجاج (٧): "لا يجوز أن ينتصب بالتّحريم، لأن التّفسير جاء أنها محرَّمة
_________
(١) القطع والائتناف (ص: ١٥).
(٢) سورة المائدة: ٢٦.
(٣) وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه -، وقال به: الربيع والسدي، وغيرهم.
(٤) جامع البيان (١٠/ ١٩٧).
(٥) المكتفى في الوقف والابتدا (ص: ٥٩).
(٦) المرجع السابق (١٠/ ١٩١).
(٧) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السّري الزّجّاج البغدادي النحوي، لزم المبرّد وتعلم منه، ثم كان من ندماء المعتضد، من مؤلفاته: "معاني القرآن"، و"الاشتقاق"، توفي سنة ٣١١ هـ. يُنظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة (١/ ١٩٤)، وسير أعلام النبلاء (١١/ ٢٢٢).