لأحد يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله؛ ناسخه ومنسوخه» (١).
ومن المهم هنا معرفة مفهوم السلف للنسخ، إذ يختلف عن المفهوم الذي اصطلح عليه المتأخرون، فالنسخ عند السلف أعم من النسخ الاصطلاحي، الذي يراد به رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه (٢)، فيشمله ويشمل كل تغير يطرأ على النص بدليل آخر.
قال ابن تيمية: «والمنسوخ يدخل فيه في اصطلاح السلف العام كل ظاهر تُرك ظاهره لمعارض راجح، كتخصيص العام وتقييد المطلق» (٣).
وقال ابن القيم معلقاً على قول حذيفة - رضي الله عنه -: «مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة؛ إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه» (٤).
_________
(١) الفقيه والمتفقه (٢/ ٣٣١).
(٢) انظر في تعريفه: المستصفى (١/ ١٠٦)، وروضة الناظر (١/ ٢٨٣)، والإحكام للآمدي (٣/ ١٠٤)، وشرح مختصر الروضة (٢/ ٢٥١)، وشرح الكوكب المنير (٣/ ٥٢٦)، وإرشاد الفحول (ص ١٨٤).
(٣) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٧٢)، وانظر: (١٣/ ٢٩، ١٤/ ١٠١) من الكتاب نفسه.
(٤) إعلام الموقعين (١/ ٣٥)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (١/ ٤٥٤)، والموافقات (٣/ ٣٤٤).


الصفحة التالية
Icon