وعلى هذا تحمل بعض أسئلة الصحابة والتابعين لأهل الكتاب عن معاني القرآن، فكأنهم - والله أعلم - يريدون اختبارهم، ومعرفة خلفياتهم عن القرآن وتأويله، فقد قال علي - رضي الله عنه - لرجل من اليهود: «أين جهنم؟، فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقاً ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ (١)، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾» (٢).
ثالثاً: الاستدلال للنقد.
النقد المبني على أدلة ومبررات أقوى إقناعاً وأشد تأثيراً من النقد المجرد، وقد جاء عن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - روايات كثيرة نصوا فيها على وجه النقد ودليله، وهي تدل على أنه الأصل لديهم، وأن المنهج العام الذي ساروا عليه ضرورة انطلاق الناقد من معايير واضحة وأسس صحيحة، وهي تحكم على الروايات التي خلت من بيان وجه النقد ومأخذه، فلا يعني خلو بعض الروايات من الدليل أن النقد صادر عن هوى، أو أنه عارٍ في نفس الأمر عن الأدلة والبراهين، فقد يكون عدم ذكر دليل النقد لظروف ودواع اقتضت ذلك.
والأدلة التي يستند إليها الصحابة والتابعون في نقدهم متنوعة، وقد
_________
(١) سورة الطور آية (٦).
(٢) سورة التكوير آية (٦)، والأثر أخرجه الطبري في جامع البيان (٢١/ ٥٦٨، ٢٤/ ١٣٨) غير أنه قرأ (سُجِرَت) بالتخفيف، وهو في البعث والنشور للبيهقي (ص ٢٥١)، والدر المنثور (٦/ ١١٨)، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.