وفيه تنبيه للمجتهد ليتأكد من رأيه وأنه لا يصادمهما، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «من أحدث رأياً ليس في كتاب الله، ولم تمض به سنة من رسول الله - ﷺ - لم يدر على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل» (١).
والصحابة - رضي الله عنهم - مع تمسكهم بهذه الضوابط، فإنهم إذا قالوا شيئاً برأيهم اعتذروا منه، وتنصلوا من الخطأ، مخبرين أن ما يقولونه لا يعدو كونه اجتهاداً ورأياً يخطئ ويصيب، فإن أصابوا فهو من توفيق الله تعالى، وإن أخطئوا فهو من الشيطان وأنفسهم، وربما توقف بعضهم في الإجابة بالرأي حتى يلح عليه، ومنهم من لا يبيح لسائله الأخذ برأيه إلا عند الضرورة، ومن الشواهد في ذلك:
١ - قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين سئل عن الكلالة قال: «إني قد رأيت في الكلالة رأياً، فإن يكن صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأً فمني والشيطان» (٢).
٢ - وأتي ابن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يكن سمى لها صداقاً، فمات قبل أن يدخل بها، فلم يقل فيها شيئاً، فرجعوا، ثم أتوه فسألوه، فقال: «سأقول فيها بجهد رأي، فإن أصبت فالله عز وجل يوفقني لذلك، وإن
_________
(١) سنن الدارمي (١/ ٦٢)، وما جاء في البدع لابن وضاح (ص ٨٦)، والإحكام لابن حزم (٦/ ١٠٢٢)، والفقيه والمتفقه (١/ ٤٥٨).
(٢) جامع البيان (٦/ ٤٧٥)، وانظر: سنن الدارمي (٢/ ٨٢٢)، ومصنف ابن أبي شيبة (١١/ ٤١٥، ٤١٦).