رواة حديث: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (١) يفوقون كثرة ما عداه من الأحاديث، حتى عده العلماء من المتواتر، وذكر بعضهم أنه رواه عن النبي - ﷺ - اثنان وستون صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة (٢)، وعدهم الحافظ العراقي (٣) فزادوا على السبعين (٤)، وهذا يدل على اهتمامهم الشديد بهذه القضية.
ومما أثر عنهم في تغليظ الكذب على النبي - ﷺ - قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:... «إذا حدثتكم عن رسول الله - ﷺ - فلأن أخر من السماء أحب من أن أكذب عليه» (٥).
وتعظيم السلف لحديث النبي - ﷺ - يشبه تعظيمهم لتفسير القرآن، فنجد منهم من أقلَّ الرواية عنه - ﷺ - خوفاً من الخطأ عليه، كما نجد من تورع عن التفسير
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي - ﷺ - (١/ ٣٥)، ومسلم في مقدمة صحيحه (١/ ٩ - ١٠) كلاهما من حديث أبي هريرة وأنس - رضي الله عنهما -.
(٢) انظر مقدمة ابن الصلاح (ص ٤٥٤).
(٣) هو أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي الملقب بزين الدين، سمع من ابن عبد الهادي والتقي السبكي، وتلمذ عليه الهيثمي وابن حجر، من مصنفاته ألفية الحديث، توفي عام (٨٠٦).
انظر: إنباء الغمر لابن حجر (٥/ ١٧٠)، والضوء اللامع (٤/ ١٧١)، وطبقات الحفاظ (٥٤٣).
(٤) التقييد والإيضاح (ص ٢٧١ - ٢٧٢)، وذكر النووي في شرح صحيح مسلم (١/ ٦٨) أنه رواه مئتان من الصحابة، قال العراقي في التقييد والإيضاح (ص ٢٧٢): «ولعل هذا محمول على الأحاديث الواردة في مطلق الكذب، لا هذا المتن بعينه»، وذكر ابن حجر في فتح الباري (١/ ٢٠٣) أنه جاء بأسانيد صحاح وحسان عن ثلاثة وثلاثين صحابياً، وجاء عن نحوٍ من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو عشرين آخرين بأسانيد ساقطة، ثم قال: «وتحصل من مجموع ذلك رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط».
(٥) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (٤/ ١٧٩).