جميعاً (١)، وإنما أحجموا لمسوغات ودواعٍ ظهرت لهم، آثروا الإبقاء عليها والالتزام بها، وتقديمها على الخوض في بيان معاني كلام الله تعالى.
ومن هذه المسوغات والدواعي:
١ - أن ما جاء عنهم من التغليظ على من فسر القرآن، وذم من فعل ذلك محمول في بعض الأحيان على من فسر القرآن برأيه، أو تكلم فيه بلا علم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سياقه آثاراً عن السلف في تحرجهم من القول في التفسير: «فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه» (٢).
ولذلك لا ينبغي حمل كلام السلف وفعلهم على أنه منهج يجب التزامه دائماً، فيترك تفسير القرآن الكريم، وقد عقد الطبري باباً في مقدمة تفسيره، ذكر فيه بعض الآثار المتقدمة، وبين أن السلف إنما أحجموا عن تفسير القرآن خوفاً من عدم إصابة الحق كما تقدم قبل قليل، وقد أشار في عنوان الباب إلى أن ما جاء عن السلف لا ينبغي أن يحمل على إطلاقه، فقال: «ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو
_________
(١) انظر: جامع البيان (١/ ٨٣ - ٨٤)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١٣/ ٣٣١).
(٢) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٧٤).