حَذِرًا أُمُورًا لا تَضِيْرُ وآمنٌ ما ليسَ مُنجيهِ من الأَقْدارِ
وادَّعى اللاحقيُّ (١) تدليسَ هذا البيت على سيبويه» (٢). وهو يشير إلى ما ذكره بعضُ النحويين من أَنَّ أبانَ اللاحقيَّ هو الذي صنع هذا البيت لسيبويه لغرض الاستشهاد به، دون أن يفطن سيبويه لذلك، وقد شاع هذا لدى كثير من المفسرين وأهل العربية. وعلة طعن العلماء في هذا الشاهد أنَّ كثيرًا منهم لا يرون أن صيغة «فَعِلَ» تعمل فيما بعدها، فحاولوا الطعن في الشاهد الشعري الذي ذكره سيبويه، في حين أن سيبويه أورد شاهدًا آخر على إعمال فعل، وهو:
أَو مِسْحَلٌ شَنِجٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ بِسَراتِهَا نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ (٣)
فقد أعملَ «شَنِجٌ» في «عِضَادةَ». وأقدم من ردَّ هذا الشاهد هو المُبَرِّدُ، فقد قال عنه: «وهذا بيت موضوعٌ مُحْدَثٌ» (٤). غير أَنَّ السيرافيَّ دافع عن هذا الشاهد فقال: «وقد زعمَ قومٌ أَنَّ أبا يَحيى اللاحقيَّ حكى أَنَّ سيبويه سأله عن شاهدٍ في إعمال فَعِلَ، فعملَ له البيت. وإذا حكى أبو يحيى مثلَ هذا عن نفسه، ورضي بأَنْ يُخبِرَ أنه قليلُ الأمانة، وأَنَّه اؤتِمِنَ على الرواية الصحيحة فخانَ، لم يكن مثلهُ يُقبلُ قوله، ويُعترَضُ به على ما قد أثبته سيبويه. وهذا الرجلُ أحبَّ أنْ يتجمَّلَ بأَنَّ سيبويه سأله عن شيءٍ، فخبَّرَ عن نفسه بأَنَّه فعلَ ما يُبطل الجَمَالَ، ويُثبتُ عليهِ عارَ الأَبَدِ. ومن كانت هذه صورته بَعُدَ في النفوس أن يسأله سيبويه عن
_________
(١) هو أبو يحيى أبان بن عبدالحميد بن لاحق بن عفير الرقاشي، شاعر بصري مطبوع، توفي سنة ١٩٣ هـ. انظر: الفهرست ١٥٠، خزانة الأدب ٨/ ١٧٣.
(٢) المحرر الوجيز ١٢/ ٦٢.
(٣) البيت للبيد بن ربيعة كما في ديوانه ١٢٥، وليس لابن أحمر كما في الكتاب ١/ ١١٢ ومعناه: يصف فحلًا من الحُمُر بأنه ملازم لأُتُنِهِ، ولشدته وصلابته قد لازمها، وقبض الناحية التي بينها وبينه، ولم يحجزه عن ذلك رَمْحُها وعَضُّها. وشَنِجٌ مبالغة شَانِج، أي ملازم. انظر: شرح الطوسي للديوان ١٢٥.
(٤) المقتضب ٢/ ١١٧.


الصفحة التالية
Icon