فهنا يشير إلى اضطرار الشاعر الى تحريك الساكن في المفردة أحيانًا، وهذا لا يعرض للنثر، ويشير بقوله: «لا يَجوزُ تثقيلُ عين «فُعُل» منه». إلى القراءة التي وردت في قوله تعالى في الآية: ﴿غُلْفٌ﴾ [البقرة: ٨٨] (١) حيث قرأها بعضهم مضمومة اللام (غُلُفٌ) (٢). والشاهد في البيت هو تحريك الساكن وهو القاف لإقامة الوزن.
ومن الأمثلة ما ذكره ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٠] (٣): «قرأ الجمهور: ﴿مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾، وقرأ ابن كثير وحده: ﴿مَنْ يَتَّقِيْ ويصْبِر﴾ بإثبات الياء. واختلف في وجه ذلك. فقيل: قدر الياء متحركة، وجعل الجزم في حذف الحركة. وهذا كما قال الشاعر:

أَلَمْ يِأْتيكَ والأنباءُ تَنْمِي بِمَا لا قتْ لَبونُ بَنِي زِيَادِ
قال أبو علي: وهذا مِمَّا لا نَحْملهُ عليه؛ لأَنَّهُ يَجيءُ في الشِّعرِ لا في الكلام» (٤). فانظر كيف استبعده أبو علي الفارسي من الاستشهاد على توجيه القراءة، لأن ما جاء في الشاهد الشعري من باب الضرورة التي لا تكون إلا في الشعر، وأما القرآن فلا يقال فيه ذلك.
وقد ذكر الدكتور خالد عبد الكريم جمعة مجموعة من الشواهد التي حملها جمهور النحويين على الضرورة، وورد فيها روايات مختلفة في موضع الشاهد تخرجها من باب الضرورة إلى باب الجائز في الكلام المنثور، ورجَّح أن بعضها أُصلح إصلاحًا متعمدًا من أجل تغيير موضع الاستشهاد، وتصحيح موضع الضرورة في الشاهد، ليوافق المطرد في اللسان العربي (٥).
_________
(١) البقرة ٨٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٣٢٤، معجم القراءات لعبد اللطيف الخطيب ١/ ١٤٩.
(٣) يوسف ٩٠.
(٤) المحرر الوجيز ٩/ ٣٦٩، وانظر مثالًا آخر في المحرر الوجيز ٤/ ١٠٥.
(٥) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه ٤٤١ - ٤٤٧.


الصفحة التالية
Icon