فقيل له: أنشدتنا بائس، فقال: يابس وبائس واحد. قال ابن جني تعقيبًا على هذا: «وهذا شعر ليست عليه مضايقة الشرع». بمعنى أنه ليس كالتغيير في القرآن من حيث المؤاخذة.
ويحدث مثل هذه التغيير في الأبيات من الرواة والعلماء، مثل ما حدث لابن الأعرابي حيث أنشد يومًا قول الشاعر (١):

ومَوضِعِ زَبْنٍ لا أُريدُ بَراجَه كأَنِّي بِهِ مِنْ شِدَّةِ الرَّوعِ آنسُ (٢)
فقال له أحد الملازمين لحلقته: ليس هكذا أنشدتنا يا أبا عبيدالله. قال: كيف أنشدتك؟ فقال له: وموضع ضيقٍ. فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تعلم أن الزبن والضيق شيء واحد؟ قال ابن جني: «فهذا لعمري شائع لأنه شعر، وتحريفه جائز؛ لأنه ليس دينًا ولا عملًا مسنونًا» (٣).
٤ - جهالة قائل الشاهد الشعري.
جعل أبو البركات الأنباري الجهل بالقائل سببًا من أسباب رد الاستشهاد بكثير من شواهد الكوفيين في مواطن متعددة، وذلك في مثل قوله: «هذا الشعر لا يعرف قائله، فلا يكون فيه حجة» (٤). ويقول: «وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما أنشدوه فهو مع قلته لا يعرف قائله؛ فلا يجوز الاحتجاج به» (٥). وربما عضد جهالة القائل باحتمالات أخرى (٦)، في حين تراه يحكم بصحة شواهد البصريين وخاصة شواهد سيبويه على الرغم من جهالة قائليها، ثقة في رواية سيبويه وكبار البصريين (٧). وقد ردَّ شاهدًا شعريًا بحجة جهالة قائله، مع أنه رواه
_________
(١) هو المرقش الأكبر.
(٢) انظر: المفضليات ٢٢٤، الخصائص ٢/ ٤٦٧.
(٣) المحتسب ١/ ٢٩٨.
(٤) الإنصاف في مسائل الخلاف ٢٩٤.
(٥) المصدر السابق ٣٥٠، ٣٦٥.
(٦) انظر: الإنصاف ٤٦٢.
(٧) انظر: الإنصاف ٥٤٤، وأسرار العربية ٢٢٨، ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon