أَمِنَ آلِ مَيَّةَ رَائحٌ أَو مُغتدِ عَجلانَ ذا زادٍ وغيرِ مزودِ (١)
ثُمَّ يقول: «ليس عندي فيها إسناد، وهي له حقًا» (٢). ويذكر الدكتور ناصر الدين الأسد أن الروايات المسندة التي يرتفع إسنادها إلى ما قبل علماء القرن الثاني قليلة نادرة، إذ كان جل اعتمادهم على الرواية الشفوية، فالغالب أن يقف إسناد الرواية الأدبية عند زمن أبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية ومن عاصرهما، بل قد يوجد من العلماء المتأخرين من يهمل الإسناد، ومن هؤلاء المبُرِّد، فقد كان مشهورًا بحذف الإسناد في أحاديثه وأماليه (٣)، ولذلك فإن الأمر يتعلق بالراوية الذي نقل الشاهد الشعري، فإما أن يُوثَّق فيقبل منه، وإما أن يُضعَّف فيهمل ما يرويه.
يقول ناصر الدين الأسد: «ولعلنا لا نعدو الصواب حينما نخلص من كل ذلك إلى أن الإسناد لم يكن - حتى في القرنين الثالث والرابع حين شاع وغلب - أصلًا ثابتًا من أصول الرواية الأدبية، ولم يكن أساسًا من الأسس التي يحتكم إليها في الاستشهاد على صحة الرواية الأدبية كما كان شأنه في رواية الحديث النبوي، فنحن نرى أن العلماء والرواة في اللغة والشعر والأخبار، كانوا يقدمون بين يدي ما يروونه بإسناد متصل إلى الطبقة الأولى من العلماء الرواة حينًا، وبإسناد منقطع حينًا آخر، يكتفون فيه بذكر شيخهم الذي أخذوا عنه هذا العلم، أو يتجاوزون شيخهم وربما شيخ شيخهم، ويقنعون بذكر أول من روي عنه هذا الشعر أو ذاك الخبر، مختصرين الإسناد اختصارًا إلى نهايته، ونراهم حينًا ثالثًا يحذفون الإسناد ويهملونه إهمالًا، ويلقون بالشعر أو الخبر قائمًا مجردًا.
_________
(١) انظر: ديوانه ٨٩.
(٢) ديوان النابغة الذبياني بشرح الأعلم ٢٧، مصادر الشعر الجاهلي ٢٧٥.
(٣) انظر: نزهة الألباء ١٩٤، مصادر الشعر الجاهلي ٢٧٧.


الصفحة التالية
Icon