الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عَزَّوَجَلَّ» (١).
واعتراض الزجاج من جهتين: أنَّ قول مثل هذا الشعر سهل، ومِنْ ثَمَّ فإن إمكان الصنعة فيه وارد، والأمر الثاني أنه لا يُعرفُ له قائل. وهذا لا يسلم للزجاج؛ لأن الفراء قد صرح بسماعه من العرب بقوله: «وقد سَمعتُ بعضَ العَربِ يُنشدُ.. » (٢). يقول الفراء عندما وقف عند قوله تعالى: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] (٣) بنصب الياء: «أي الياء منصوبة؛ لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تحرك ما قبلها، وتنصب إرادة الهاء... فإذا سكن ما قبلها ردت إلى الفتح الذي كان لها، والياء من ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ ساكنة، والياء بعدها من المتكلم ساكنة، فحركت إلى حركة قد كانت لها، فهذا مطرد في الكلام» (٤).
وحينما قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب الآية السابقة بخفض الياء أنكر قراءتهم، يقول: «ولعلها من وَهَمِ القراء طبقة يحيى؛ فإنه قل من يسلم منهم من الوَهَمِ، ولعله ظن أن الباء في ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ خافضةٌ للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذلك... » (٥). ولذا خالفت رواية الشاهد الشعري عند الفراء ما يرجحه، وكان الطعن فيها وردها مما يسند ما يذهب إليه، غير أنه قد وقف عند حدود سماعه، وهو ثقة، واستشهد برواية العربي لذلك البيت، سواء أكان العربي قائل الشاهد أم راويه، فإذا كان قول الشاعر العربي حجة، فإن قول الراوية العربي حجة أيضًا، وإن وقع منه شيء من التغيير والتبديل. أضف إلى ذلك أن الرضي صرح في شرح كافية ابن الحاجب أن كسر ياء المتكلم مع الياء قبلها لغة بني يربوع، وذلك لتشبيه الياء بالهاء بعد الياء، كما في «فيه»
_________
(١) معاني القرآن وإعرابه ٣/ ١٥٩ - ١٦٠.
(٢) معاني القرآن ٢/ ٧٦.
(٣) إبراهيم ٢٢.
(٤) معاني القرآن ٢/ ٧٥.
(٥) معاني القرآن ٢/ ٧٥.