ثروة وقوة بأس وأصحاب سياسة متصلة بالسياسة العامة متأثرة بها مؤثرة فيها» (١). ومرة أخرى يرى أن العرب كانوا في عزلة حين يرى العزلة تخدم غرضه في نفي الشعر وتوحيد اللهجات، حيث يقول: «ولا سيما إذا صحت النظرية التي أشرنا إليها آنفًا وهي نظرية العزلة العربية، وثبت أن العرب كانوا متقاطعين متنابذين، وأنه لم يكن بينهم من أسباب المواصلات المادية والمعنوية ما يمكن من توحيد اللهجات» (٢).
ويأخذ عليه الخضر حسين هذا التناقض فيقول:

«أتدري ما هي نظرية العزلة التي أشار إليها آنفًا؟ هي تلك النظرية التي رماها على أكتاف الذين تعودوا أن يعتمدوا على هذا الشعر الجاهلي في درس الحياة العربية قبل الإسلام، وشن عليها الغارة بنكير لا هوادة فيه أنكر المؤلف نظرية العزلة العربية حين رآها تعترض ما أراده من أن للجاهليين اتصالًا بالعالم الخارجي، وود في هذا الفصل أن تستقيم له لأنها تؤيد نظرية عدم التقارب بين لغات القبائل العربية» (٣).
وأخذوا عليه إنكاره هجرة فريق من عرب اليمن إلى الشمال، وأن صحة يمانية من انتسب إلى اليمن من قبائل الشمال غير ثابتة، وهذا يسقط اعتراضه، فإنه إذا صح أن التاريخ القديم والتاريخ الحديث أجمعا على خطأ، فلم تكن هجرة ولم يكن في الشمال يمانيون، لم يكن هناك أدنى شبهة لغوية يمكن أن يعترض بها على صحة كلام امرئ القيس، إذ يصير امرؤ القيس ومن معه بذلك مُضَرِيِيْنَ، ويصير من السخف أن يقال بعد ذلك أن كلامهم وشعرهم منحول؛ لأن لغته ليست لغة نقوش حميرية اكتشفت في الجنوب، حتى ولو كانت لغة النقوش تمثل لغة اليمن في عصر امرئ القيس (٤).
_________
(١) في الشعر الجاهلي ٦٥.
(٢) انظر: المصدر السابق ٤٥.
(٣) نقض كتاب في الشعر الجاهلي ٩٩ - ١٠٠، وانظر: النقد التحليلي للغمراوي ١٩٤.
(٤) انظر: النقد التحليلي ١٨٨.


الصفحة التالية
Icon