الخطاب رضي الله عنه يحض على معرفة الشعر؛ لأنه ديوان العرب، وفيه تفسير كتاب الله، فقد نقل عنه أنه قال: «أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم» (١). وكان ابن عباس وهو من هو علمًا بالشعر وأيام العرب والقرآن الكريم وتفسيره، وهو حبر الأمة، قد فسر القرآن الكريم واستدل على فهم معاني ألفاظه بالشعر الجاهلي، فقد حدَّثَ عكرمة، قال: «ما سمعت ابن عباس فسر آية من كتاب الله عَزَّوَجَلَّ إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وكان يقول: إذا أعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب» (٢).
ولذلك فإن ما استدل به الصحابة والتابعون من الشواهد في تفسير القرآن الكريم، يعد من الأدلة الدامغة التي تدحض ما ذهب إليه منكرو الشعر الجاهلي، وقد ذكر ابن الأنباري أنه قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيرًا الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر (٣).
هذه قصة قضية الانتحال كما جاءت عند القدماء والمعاصرين من المستشرقين والعرب، وقد كان في إثارة هذه القضية خير كبير، فقد استقر الأمر على ضوء الدراسات الحديثة على تأصيل الشعر الجاهلي، ونفي المبالغة في وصمه بالانتحال والوضع، فقد ظهرت طيلة هذه الفترة التي امتدت منذ مقالة مرجليوث حتى اليوم دراسات كثيرة، فكتبت مباحث حول الشعر الجاهلي وموضوعاته وشعرائه، وحققت وطبعت دواوين أكثر الجاهليين، وقامت دراسات أكاديمية علمية حول تاريخ الجاهلية واللغة العربية واللهجات وأديان العرب، وكل الموضوعات التي أثيرت حولها الشبهات، كما ألفت كتب علمية حول أعلام الشعراء الجاهليين، والرواة الكبار، وبذلك لم يعد هناك مجال لرجم الشعر
_________
(١) الموافقات ٢/ ٨٨.
(٢) شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١/ ٣.
(٣) انظر: إيضاح الوقف والابتداء ١/ ١٠٠.