الآية) عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - ﷺ - فذكرت له ذلك، فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» (١).
وكان تعليم النبي - ﷺ - القرآن لأصحابه يقتضي تفهم معانيه، كما كانت قراءة الصحابة القرآن تقتضي الوقوف على معانيه، يدل على ذلك قول أبي عبدالرحمن السلمي (ت ٧٤ هـ): «حدثني الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، وأبي بن كعب، أن رسول الله - ﷺ - كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا» (٢).
وقد اختلف العلماء في مقدار التفسير الذي بينه النبي - ﷺ - للصحابة، فمنهم من قال: إنه فسر عددًا من الآيات (٣)، ومنهم من قال: إنه بين للصحابة معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه (٤). والخلاف في هذه المسألة قد يكون لفظيًا؛ لأن القرآن الكريم أنزل بلغة العرب، وكان لسان المخاطبين به من الصحابة عربيًا، فلم يحتاجوا إلى السؤال عن معاني كثير من آيات القرآن، قال أبو عبيدة: «إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين... فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي - ﷺ - أن يسألوا عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه» (٥).
وما قاله أبو عبيدة لا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم لم يسألوا رسول الله - ﷺ -
_________
(١) متفق عليه أخرجه البخاري برقم ١٨١٧، ٤٢٣٩، ٤٢٤٠، ومسلم برقم ١٠٩٠.
(٢) طبقات ابن سعد ٦/ ١٧٢، السبعة ٦٩.
(٣) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٣٧، الجامع لأحكام القرآن ١/ ٣١.
(٤) انظر: مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ٣٥.
(٥) مجاز القرآن ١/ ٨.