الإشارةِ إليها أَدنى إشارةٍ أبو النَّصر أَحْمدُ بنُ مُحمدٍ السَّمْرَقَنْدِيُّ (١) المعروفُ بالحَدَّاديِ في كتابه «المُوضِّح في التفسير»، وهو كتاب مُختصر في تفسير الغريب من ألفاظ القرآنِ وأساليبه، يكتفي فيه بِبَيانِ اللفظةِ الغريبة، أو التركيبِ المُشكلِ في الآيةِ بأَوجزِ عبارةٍ، ثُم يستشهدُ على ذلك بشاهدٍ من الشِّعرِ أو أكثر، على غرار مسائل نافع بن الأزرق، ويقع الكتاب في (١١٣) مائة وثلاث عشرة صفحة، فسَّر فيها (٢٠٠) مائتي لفظةٍ غريبةٍ، وأسلوبٍ من أساليب القرآنِ الكريم، واستشهد على تفسيره بِمائتين وخَمسةَ عشر شاهدًا من الشعرِ الجيّدِ المُحتجِّ به عند المفسرين، ولم ينسب منها لقائله إلا ثلاثة وعشرين شاهدًا، في حين استطاع المُحقق نسبة مائة وثلاثة وستين شاهدًا، وبقي تسعة وعشرون شاهدًا غير منسوبة، والشعراء الذين استشهد بشعرهم من الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين، ولم يستشهد بشعر المُحدثين إلا في موضع واحدٍ، فقد استشهد ببيت لأبي نواس، معتمدًا على إنشاد الفراء له. (٢) ويظهر من منهجه أنه لم يكن يعتني بنسبة الشواهد الشعرية إذا ثبتت لديه صحتها، والثقة بها، وقد كان هذا نهجًا عند العلماء، وسيأتي بيان ذلك (٣).
_________
(١) هو شيخ القراء بسمرقند، والحدادي نسبة إلى عمل الحديد، أو إلى قرية اسمها حدادة. وذكر ياقوت أنها قرية كبيرة بين دامغان وبسطام على جادة الري، وهي تابعة لإيران اليوم. وقد توفي بعد الأربعمائة للهجرة. انظر: غاية النهاية ١/ ١٠٥، مقدمة كتاب المدخل في التفسير للحداد ١٧ - ٢٠.
(٢) انظر: الموضح في التفسير ١٢٠.
(٣) للحدَّادي السمرقندي هذا كتاب آخر، سَمَّاه «المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى»، صنفه بعد «الموضح»، وقد طبع في مجلد واحد، وقد أكثر فيه من الاستشهاد بالشعر فبلغت شواهده (٦١٩) شاهدًا، وقد ذكر فيه قواعد لغوية وبلاغية في التفسير على غرار ما كتبه ابن قتيبة في تأويل المشكل، وابن فارس في الصاحبي. وفيه من الاستشهاد بالشعر ما يدل على رسوخ قدم الحدادي في معرفة الشعر، ولا سيما شعر الجاهلية، الذي هو عمدة أهل التفسير في الاستشهاد كما دلت على ذلك هذه الدراسة. انظر: المدخل لعلم تفسير القرآن الكريم للحدادي، تحقيق عدنان داوودي، ط. دار القلم ص ٤٤، ٧٠٨ - ٧٥٥.


الصفحة التالية
Icon