الغريب، وفي النحو، وفي كتاب الله عَزَّوَجَلَّ، وحديث رسول الله - ﷺ -» (١).
هذا كله عن أولية الشعر من حيث الزمن، أما من الناحية الفنية فقد اختلف الباحثون حولها، فبعض العلماء يرى أن الرَّملَ هو المرحلة الفنية الأولى التي بدأ بِها الشعر، فقد رويَ أَنَّ قيس بن عاصم التميمي (٢) قدم على رسول الله - ﷺ - فقال يومًا، وهو عنده: أتدري يا رسول الله أَوَّلَ مَن رَجَزَ للإبلِ؟ قال: لا، قال: أبوك مُضَرُ، كان يسوقُ بأهلهِ ليلةً، فَضَربَ يَدَ عبدٍ له، فصاح: وا يداه، وا يداه، فاستوسقت الإبلُ، فَنَزَلَ، فرَجَزَ على ذلك (٣). فهو أولُ مَن حَدا إن صحت هذه الرواية، وقد استعمل الناس الحداء بالشعر بعده، وتزيدوا فيه شيئًا بعد شيء (٤).
وأما الباحثون المتأخرون فيذهبون إلى أن السجع هو البداية الفنية التي عرفها العرب، ومن هؤلاء المستشرق كارل بروكلمن (٥) الذي يقول: «ينبغي أن يكون أقدم القوالب الفنية هو السَّجعُ» ثم يقول: «والسجعُ هو القالب الذي كان يصوغ العرَّافونَ والكهنةُ فيه كلامَهم وأقوالهم كما جاء في القرآن» (٦). وذهب بعض الأدباء إلى أن السَّجعَ ترقَّى بعد ذلك إلى الرَجَزِ (٧)، أما الرافعي فيكتفي بالقولِ: إِنَّ الشعر كان قبلَ مهلهل رَجَزًا
_________
(١) الشعر والشعراء ١/ ٥٩.
(٢) هو أحد أمراء العرب وعقلائهم، كان شاعرًا، قدم في وفد تميم على النبي - ﷺ - سنة ٩ هـ. وتوفي سنة ٢٠ هـ بالبصرة. انظر: الإصابة ٤/ ١٥٤ (٧١٩٤).
(٣) انظر: جمهرة أشعار العرب ١/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٤) انظر: أنساب الأشراف للبلاذري ١/ ٣٠ - ٣١، العمدة في صناعة الشعر ونقده ٢/ ٣١٤.
(٥) هو كارل بروكلمن (١٨٦٨ - ١٩٥٦ م) من كبار المستشرقين الألمان، من أشهر مؤلفاته «تاريخ الأدب العربي» من المراجع المهمة فيما يتعلق بالمخطوطات العربية وأماكن وجودها. انظر: موسوعة المستشرقين ٥٧.
(٦) تاريخ الأدب العربي ١/ ٥١.
(٧) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ١/ ٦٤، تاريخ الأدب العربي للزيات ٢٨.