وقد يكون الاستشهاد لمسألةٍ لغوية، أو نَحويةٍ، أو غير ذلك، وفي هذه الحال يكون الاعتماد على الشاهد الشعري بِمُفردهِ في الدَّلالةِ على المسألة لإفراده بالذكر.
وكما أن القرآن الكريم دليلٌ مستقل بقراءاته كلها، يصح الاعتماد عليه بمفرده في الاستدلال على مسائل اللغة والنحو، وكذلك الحديث الشريف عند عدد من العلماء، بمعنى أن يكتفى بهما في الاستدلال والاستشهاد على الرأي مع ندرة ذلك في الحديث الشريف، فكذلك الشعر، فقد انفرد بالاستدلال في كتب التفسير كثيرًا، وقد اكتفى المفسرون بالشعر في الاستشهاد في مواضع كثيرة من كتب التفسير، واقتصروا عليه دون غيره. وقد تقدم قول الشاطبي مضعفًا الاقتصار على الشعر في الأحكام، والاكتفاء به، وهو قوله: «أَمَّا الاعتمادُ على الشعرِ مُجرَّدًا مِن نَثْرٍ شَهيرٍ يُضاف إليه، أو يوافق لغةً مستعملةً يُحمل ما في الشعر عليها، فليس بِمُعتمدٍ عند أهل التحقيق؛ لأن الشعر مَحلُّ الضرورات» (١).
وهناك مسائل في كتب التفسير لا يوجدُ فيها إِلَّا الشعر دليلًا على الرأي، وذلك في المسائل التي تتعلق بما يجوز في ضرورة الشعر من الأوجه. ومن أمثلة ذلك قول الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ [البقرة: ٨٨] (٢) قال: «ولا يجوز تثقيلُ (٣) عين «فُعْل» منه، إلا في ضرورةِ شِعْرٍ، كما قال طرفة بن العبد:
أيُّها الفتيانُ في مَجلِسِنَا | جَرِّدوا منها وِرَادًا وشُقُر (٤) |
_________
(١) الشواهد والاستشهاد لعبد الجبار النايلة ١٣٥.
(٢) البقرة ٨٨.
(٣) يعني بالتثقيل الحركة.
(٤) انظر: ديوانه ٥٧.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٣٢٤.