قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)} [الأنبياء: ٥]} (١). وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)﴾ [الصافات: ٣٦، ٣٧] (٢). وقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)﴾ [الطور: ٢٩، ٣٠] (٣). وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)﴾ [الحاقة: ٤٠ - ٤٣] (٤).
هذه كلها آيات مكية وردت للرد على مزاعم المشركين، وهي لا تدل على ذم الشعر، فمبناها واضح، وسياقها ظاهر، تتحدث عن القرآن، وتؤكد أنه ليس بشعر، وعن النبي - ﷺ - وأنه ليس بشاعر ولا كاهن، وأن هذا القرآن من رب العالمين، وليس من وحي الخيال الذي توسوس به الشياطين.
والحديث عن الشعر في كل ما وردَ في القرآن يتحدث عن الشاعر وليس عن الشعر. ولذلك قال ابن العربي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)﴾ [يس: ٦٩] (٥): «هذه الآية ليست من عيب الشعر، كما لم يكن قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)﴾ [العنكبوت: ٤٨] (٦) من عيب الخط. فلمَّا لم تكن الأميَّةُ مِن عيبِ الخَطِّ، كذلك لا يكون نفيُ النظم عن النبي - ﷺ - مِنْ عَيبِ الشِّعرِ» (٧).
إن مسألة نفي الشعر عن القرآن الكريم مسألة أساسية لا علاقة لها بحكم الشعر في الإسلام، وكذلك نفي صفة الشاعر عن النبي مسألة أساسية ولا شأن لها بموقف الإسلام من الشعر، فهذان أمران يخصان الدعوة الإسلامية، ومصدرها الإلهي، والثقة بالنبي - ﷺ - وليس فيهما ما
_________
(١) الأنبياء ٥.
(٢) الصافات ٣٦ - ٣٧.
(٣) الطور ٢٩ - ٣٠.
(٤) الحاقة ٤٠ - ٤٣.
(٥) يس ٦٩.
(٦) العنكبوت ٤٨.
(٧) أحكام القرآن ٤/ ٢٨.