فقد اكتفى الزمخشري بصدر البيت وكلمة من عجزه، وكمل موضع الشاهد منه بهذا، وهو بيت شهير لامرئ القيس، وتمامه:
حَلَفْتُ لَهَا باللهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ | لَنَامُوا فَمَا إِنْ مِنْ حَديثٍ ولا صَالِ (١) |
ومن عناية المفسرين بالشاهد أنهم قد يوردون جُزءًا من بيتٍ، وجُزءًا مِن البيت التالي له؛ لِكَونِهِ موضعَ الشاهدِ، كما قال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: ١١٤] (٢) وهو يذكر حجةَ مَنْ ذَهبَ إلى أنَّ «مَنْ» في الآية في موضع نَصبٍ: «وأَمَّا النَّصبُ فَعَلى أن تَجعلَ «النَّجْوَى» فِعلًا (٣)، فيكونُ نصبًا؛ لأَنه حينئذٍ يكون استثناءً منقطعًا؛ لأَنَّ «مَنْ» خلافُ «النَّجْوى»، فيكون ذلك نظير قول الشاعر: (٤):
............................ ومَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إِلَّا أَواريَّ لأيًا ما أُبَيِّنُها.................... ». (٥)
فقد اكتفى الطبري بموضع الشاهد من البيتين، وهو جزء من عجز الأول، وصدر الثاني، وذلك لا رتباطهما من حيث المعنى، وتمام البيتين:
وَقفتُ فيهَا أُصَيلانًا أُسَائِلُهَا | عَيَّتْ جَوابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ |
إِلَّا الأَواريَّ لأَيًا مَا أُبَيَّنُهَا | والنُّؤيُ كَالحَوضِ بِالمَظلومةِ الجَلَدِ (٦) |
وهذه الصورة نادرة، وألحقتها بهذه المسألة تجوزًا، ونادرًا ما يورد المفسر عددًا من الأبيات من القصيدة الواحدة متتالية، وإن حصل ذلك
_________
(١) انظر: ديوانه ٣٢.
(٢) النساء ١١٤.
(٣) أي مصدرًا.
(٤) هو النابغة الذبياني.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٩/ ٢٠٣.
(٦) انظر: ديوانه ١٤ - ١٥.