الكريم لعدم الحاجة إلى ذلك، فهناك مسائل كثيرة ظاهرة لم يكن بالمفسرين حاجة للاستشهاد لها بالشاهد الشعري أو غيره، فلم يكونوا يستشهدون إلا فيما يَحتاجُ إلى شاهدٍ، من لفظٍ غريبٍ، أو تركيبٍ مُشكلٍ أو نحو ذلك. كما أن هناك ألفاظٌ لم ترد إلا في القرآن الكريم، وأخذ أهل اللغة معناها عن المفسرين، كلفظةِ «التَّفَثِ» في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] (١) فليس لها شاهد من الشعر مع غرابتها، قال ابن دريد: «قال أبو عبيدة (٢): هو قصُّ الأظافر، وأَخذُ الشاربِ، وكُلُّ ما يَحرمُ على المُحْرِمِ إِلَّا النكاح، ولم يَجئْ فيه شِعْرٌ يُحتج به» (٣)، ويقول الزجاج: «والتَّفَثُ في التفسيرِ جاءَ، وأهلُ اللغةِ لا يعرفونَهُ إِلَّا من التفسير» (٤). فقول ابن دريد: ولم يَجئ فيهِ شعرٌ يُحتجُّ بهِ، مِمَّا يدل على بَحثهِ وتطلبه للشاهدِ من الشِّعرِ، ولكنَّه لم يَجد. وقال ابن العربي أيضًا: «وهذه اللفظةُ لم يَجدْ أهلُ العربيةِ فيها شِعرًا، ولا أَحاطوا بِها خُبْرًا» (٥)، وعدم وجود شاهد لهذه اللفظة منقول عن أبي عبيدة، وقد وجد غيره شواهد لهذه اللفظة من شعر أمية بن أبي الصلت وغيره، وستأتي.
وأما ما لا حاجة إلى الاستشهاد عليه لظهوره وبيانه، فإنهم لا يطلبون له الشواهد، وهو لا يَخرج عن إحدى الصور الآتية:
- ألفاظ ظاهرة المعنى، لا لبس فيها ولا غموض، فلا يرى المفسر حاجةً إلى أن يأتي بشواهد من شعر العرب يوضح بها معنى هذه اللفظة. ومن ذلك قول الطبري بعد أن استشهد لمِجَيء الظنِّ بِمَعنى اليقين: «فأَمَّا الظنُّ بِمَعنى الشكِّ، فأكثرُ مِنْ أَن تُحصى شواهدُه» (٦). فلم يَرَ حاجةً إلى أن يورد شواهدَ من الشعرِ على أنَّ الظنَّ يأتي بمعنى الشك، لأنه هو
_________
(١) الحج ٢٩.
(٢) انظر: مجاز القرآن ٢/ ٥٠، وليس فيه قوله: «ولم يجئ فيه شعر يحتج به». فكأنه من قول ابن دريد، أو نقل من غير مجاز القرآن.
(٣) جمهرة اللغة ١/ ٤٢٢.
(٤) معاني القرآن ٣/ ٤٢٢.
(٥) أحكام القرآن ٣/ ١٢٧٠.
(٦) تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ١٤٥.