وورد في رواية للحديث أن الرسول - ﷺ - قال: «والذي نفسي بيده لأَنْ يَمتليءَ جوفُ أحدكم قيحًا ودمًا خيرٌ له من أن يَمتليء شعرًا يهجو به النَّاسَ ويؤذيهم» (١)، وفسَّرتُهُ عائشة رضي الله عنها بقولِها: «يعني الهجاء منه» (٢).
وهذه الأحاديث التي وردت في الذمِّ مَحمولةٌ على مَنْ أقبلَ على الشِّعرِ واشتغلَ به عن الذِّكرِ والصلاة وطاعة الله تعالى، وعلى مَن أقبل على شعر اللهو والعَبَثِ والباطل. ولذلك بَوَّبَ البخاريُّ في صحيحه: «بابُ ما يُكرهُ أَنْ يكونَ الغالبُ على الإنسانِ الشعرَ حتى يَصُدَّهُ عن ذكر اللهِ والعلمِ والقرآن» (٣). ولذلك قال بعض العلماء: «وحَدُّ ما دون الامتلاء أن يعلم المرءُ ما يَلزمهُ، ويَروي مع ذلك من الشعر ما شاء» (٤). وأما قول عائشة رضي الله عنها فهو محمول على بغض الشعر الذميم الذي يفيض بالفحش وهتك الأعراض (٥). ويلخص الحكم ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - ﷺ -: «الشعر بِمنْزِلةِ الكلام، حَسَنُهُ كَحَسَنِ الكلامِ، وقَبيحُهُ كقَبيحِ الكلامِ» (٦).
_________
(١) المنتخب من كتاب الشعراء لأبي نعيم الأصبهاني ٣٢
(٢) الفاضل للمُبَرِّد ١٣، فتح الباري ١٠/ ٥٦٥، غريب الحديث ١/ ١٦٢، تهذيب الآثار للطبري ٢/ ٦٥١، الإحكام للآمدي ٣/ ٧٣، نضرة الإغريض للعلوي ٣٦١، شرح مسلم للنووي ١٥/ ٢١، فتح الباري ١٠/ ٥٦٥.
(٣) صحيح البخاري - كتاب الأدب ٥/ ٢٢٧٩، صحيح مسلم ٤/ ٤٦، سنن أبي داوود ٤/ ٤١٤.
(٤) الإحكام لابن حزم ٢/ ٣٤٢، أضواء البيان ٦/ ٣٩٠، الاستقامة لابن تيمية ١/ ٢٤٣.
(٥) السيرة الحلبية ٢/ ٢٦٠.
(٦) الأدب المفرد للبخاري - باب الشعر حسنه كحسن الكلام ومنه قبيح ٢٩٩ (٨٦٥)، السنن الكبرى للبيهقي - كتاب الشهادات - باب شهادة الشعراء ١٠/ ٢٣٩، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ١٢٢: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لا يروى عن النبي - ﷺ - إلا بهذا الإسناد. قال: وإسناده حسن. أ. هـ وحسنه النووي في الأذكار ٦٤٦، وضعفه ابن حجر في الفتح ١٠/ ٥٥٥، وصححه الألباني لمجموع طرقه في صحيح الجامع ١/ ٦٩٤ (٣٧٣٣).