الكريم مَحدودٌ، وأساليب العرب في الكلام أوسع من ذلك، فلجأ العلماء إلى الشعر لذلك، فالمعيب هو إسرافهم في الاعتماد على الشعر.
والذي عليه العلماء، هو جواز الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم، وعدم وجود دليلٍ يَمنع من ذلك، بل إن البحث يذهب إلى أن القرآن الكريم نفسه هو الذي وجَّهَ إلى الاستشهاد بالشعر على التفسير، وهذا يُفهَمُ من قوله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ [الشعراء: ١٩٥] (١)، وأمثالها من الآيات التي وصفت القرآن بأنه عربي مبين. يقول الشاطبي (٢): «وأما إذا نظرنا إلى الأمر في نفسه، فالاستشهاد بالمعنى، فإذا كان شرعيًا فمقبول، وإلا فلا» (٣).
وقد فهم بعض الكُتَّابِ أمرَ الاستشهاد على تفسير القرآن بالشعر على غير وجهه، كما ذكر ابن الأنباري من أنهم قالوا أنَّهم جعلوا الشِّعْرَ أصلًا للقرآنِ، ونحو ذلك، ولإيضاح الأمر، فإن في القرآن الكريم كلمات ذات معانٍ ظاهرة يعرفها الناس كلهم، وهذه الكلمات لا يحتاج مفسر الآية إلى الاستشهاد عليها بشيء من الشعر أو النثر، وهذه كثيرة جدًا في القرآن الكريم.
وفي القرآن كلمات ذات معانٍ متعددة، ومن هذه المعاني ما هو معروف متداول على ألسنة العرب، ومنها ما ليس كذلك. فإذا اقتضت البلاغة في نظر المفسر أن يحمل مثل هذه الكلمات على معنى غير المعنى المعروف لدى الجمهور من العرب احتاج إلى الاستشهاد بشعر العرب أو نثرها، بحيث تكون دلالته على هذا المعنى الذي ذهب بالآية
_________
(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ)، أصولي فقيه لغوي، له مصنفات فائقة أهمها الموافقات، والاعتصام، وشرح ألفية ابن مالك. انظر: شجرة النور الزكية ٢٣١، الموافقات ٦/ ٧.
(٢) الموافقات ١/ ١١٦.
(٣) الموافقات ١/ ١١٦.