فالقسم الثاني من اللغة، وهو الغريب، هو الذي بالمفسر حاجة إلى الاستشهاد عليه بشعر العرب ونثرها، ليتضح معناه، وتطمئن النفس إلى صحته وسلامته.
وقد ذكر الزركشي (١) قيدًا آخر عند حديثه عن التفسير الذي يرجع فيه إلى لغة العرب لفهمه، وهو أنه: «إن كان ما تتضمنه ألفاظها - أي اللغة - يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين، وإن كان مِمَّا يوجبُ العلمَ دون العمل لم يكف ذلك، بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر» (٢).
وما ذكره الزركشي قد يُسَلَّمُ بصحته للناظرِ فيه لأولِ وَهْلَةٍ، ولكن عند تتبع الألفاظ الغريبة التي وردت في القرآن الكريم يجد أن ما ينبني عليه حكم شرعي عملي، يدخل في حيز القسم الأول، وهو الظاهر الذي لا يكاد يختلف فيه العرب، ولم يأت من الألفاظ الغريبة مِمَّا يترتبُ عليه حكمٌ علمي شيء يذكر، فكل ما يحتاجه المسلم المكلف في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، قد ورد بأوضح عبارة، وأجلى بيان، كي لا يكون على المسلم حرج في فهم ما كلفه الله به.
وأما ما ورد من الألفاظ الغريبة فإنه قد ورد في ثنايا القصص، والآيات الكونية، ونحو ذلك مِمَّا لا يتعلق به حكم اعتقادي أو عملي، ويمكن القول بأن الزركشي قد لجأ إلى هذا التقسيم احتياطًا منه، بأن لا يكتفى في تفسير ما يتعلق به حكم بما لا يكفي في إيضاحه وبيانه من
_________
(١) هو بدر الدين محمد بن عبدالله بن بَهادُر الزركشي (٧٤٥ - ٧٩٤ هـ)، عالم متفنن ثقة، له مصنفات عديدة في علوم القرآن وأصول الفقه والفقه، ومن أهم كتبه كتاب البرهان في علوم القرآن وهو من أوائل المصنفات في هذا العلم. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر ٣/ ٣٩٧، طبقات المفسرين للداوودي ٢/ ١٦٢.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/ ٣٠٦، وانظر ١/ ٣٩٧.