إن كان رجلًا كما جاء به الأثر، فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجريَ، وإن أريدَ به اسمُ القبيلة لم يُجْرَ، كما قال الشاعر (١) في إجرائه:
الوارِدُونَ وتَيمٌ في ذَرا سَبأٍ قد عَضَّ أَعناقَهُم جِلْدُ الجَوامِيسِ (٢)
يروى: ذَرا، وذُرى. وقد حدثت عن الفراء عن الرؤاسي أنه سأل أبا عمرو بن العلاء: كيف لم تُجْرِ سبأَ؟ قال: لست أدري ما هو». (٣) أي فترك صرفه كما تفعل العربُ بالأَسماءِ المَجهولةِ التي لا تعرفها.
وقال الفراء في توجيه الروايتين: «من قال: «ذَرَى» (٤) جعل سبأَ جِيْلًا، ومن قال: «ذُرَى» أرادَ مَوضِعًا». (٥) في حين وجهها البغدادي فقال: «من قال: «ذُرا» بالضم جعلَ «سَبأَ» جَبلًا، ومن قال: «ذَرَا» بالفتح أراد مَوضعًا». (٦) وأظنُّ كلمةَ «جيلًا» تصحفت إلى «جبلًا» عند البغدادي، وإِلا فلا فرقَ بين كونه جبلًا أو موضعًا، فهو مصروف في الحالين، بخلاف ما إذا كان المقصود بالأول الجيل والقبيلة فإنه لا ينصرف.
فقد حرص الطبري على إيراد الروايتين للشاهد لأنه بهما يتبين وجه الاستشهاد، ويفهم وجه القراءتين اللتين ذكرهما.
ومن الأمثلة على إيراد المفسرين للروايات الأخرى للشاهد الشعري وإن لم تتعلق بِمحلِّ الشاهد قول الطبري عند تفسير قوله تعالى في أمر مريم عليها السلام: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧] (٧): «فتأويل الكلام: وضَمَّها اللهُ إلى زكريا، من قول الشاعر:
_________
(١) هو جرير بن عطية.
(٢) رواية الديوان: «تدعوكَ تَيمٌ، وتيمٌ في قُرى سَبأٍ»
. انظر: ديوانه ١/ ١٣٠.
(٣) تفسير الطبري (هجر) ١٨/ ٣٨.
(٤) الذَّرَى بالفتح: الكِنُّ وما يُستَتر به، تقول: أنا في ذَرى فُلانٍ أي: في ظلِّهِ وحِمَايتهِ، فإن كان المرادُ بسبأ القبيلةَ كان المعنى أنَّ تيمًا يَحتمونَ بسبأٍ ويَمتنعون بِها. وأَما الذُّرى بالضم فهي جَمعُ ذِرْوَةٍ، وهي أَعلى الشيء. وعلى هذا تكونُ سبأُ اسمًا للمدينةِ. انظر: معاين القرآن للفراء ١/ ٣٠٨ حاشية رقم ٢.
(٥) معاني القرآن ١/ ٣٠٨.
(٦) خزانة الأدب ٧/ ٥٣٧.
(٧) آل عمران ٣٧.


الصفحة التالية
Icon