الروايات تدلنا على مدى عناية العلماء بحفظ شواهد الشعر لتوظيفها في تفسير القرآن الكريم، والاستشهاد بها على تفسيره ولغته، وأساليبه.
وقد قسَّمَ الرافعيُّ الشواهدَ الشعريةَ إلى قسمين: شواهد القرآن وهي ما يورده العلماء للاستشهاد على ألفاظ القرآن عند تفسيرها وبيان معانيها، ويغلب عليها جانب اللغة. وشواهد النحو وهي ما أورده النحويون في مروياتهم ومصنفاتهم من الشواهد الشعرية التي بنوا عليها القواعد، واستشهدوا بها على مسائل النحو (١). غير أن هذا التقسيم غير حاصر لأنواع الشواهد الشعرية عامة وفي كتب التفسير خاصة. وفي إضافة الشواهد إلى القرآن نوع من التجوز في العبارة، حيث لا يقال: شواهد القرآن، لعدم حاجة القرآن إلى شواهد تؤيده، وإنما يقال شواهد التفسير. وقد نبَّهَ إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلاَّم بعد أن ذكر أنَّ ابنَ عباس كان يُسأَلُ عن القرآن فينُشدُ فيه الشعرَ بقوله: «يعني أنه كان يستشهد به على التفسير» (٢).
وقد كان العلماء المتقدمون في اختيارهم للشواهد الشعرية أَهلَ عِنايةٍ بموضوع الشاهد الذي يريدونه، فإن كانت المسألة من الغريب كان لهم نوعُ عنايةٍ بشعرِ بعض القبائل كهُذيلٍ، وبعض الشعراء كرؤبة وأبيه العجَّاج، وإن كانت في المعاني كانت لهم عناية بشعر آخرين. وكنت أظن هذا يحدث اتفاقًا منهم، حتى عثرت على نصٍّ للأصمعي فيه دلالة على أنَّ العلماء كانوا يَختارون شواهدهم على بَينةٍ، فقد روى العسكريُّ بسنده فقال: «أخبَرني أَبي قال: أخبَرنا عَسَلُ بن ذَكوانَ قال: حدّثنا ابنُ أَخي الأصمعيِّ عن عَمِّه قال: تقول الرواة والعلماء: مَنْ أرادَ الغريبَ فعليه بشِعْرِ هُذيلٍ ورَجَزِ رؤبةَ والعجَّاجِ، وهؤلاء يَجتمعُ في شعرهمُ
_________
(١) انظر: تاريخ آداب العرب للرافعي ١/ ٣٥٤.
(٢) فضائل القرآن لأبي عبيد ٣٤٣.