أولَ من سَمَّاه التفاتًا الأصمعي (١)، ثم شرحه ابن قتيبة وأدخله في باب «مخالفة ظاهر اللفظ معناه»، وقال: «ومنه أن تخاطب الشاهدَ بشيء ثم تجعلُ الخطابَ له على لفظ الغائب، كقوله عَزَّوَجَلَّ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا﴾ [يونس: ٢٢] (٢)، قال الشاعر (٣):
يا دارَ ميَّةَ بالعلياءِ فَالسَّنَدِ... أَقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأَبَدِ (٤)
وكذلك أيضًا تجعلُ خطابَ الغائبِ للشاهد، كقول الهذلي (٥):
يا ويحَ نفسي كانَ جِدَّةُ خَالدٍ... وبياضُ وجهكَ للترابِ الأَعفرِ (٦)»
(٧).
وانتفع المفسرون بعد ذلك بما سبق إليه هؤلاء فهذا الزمخشري يقول: «وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات... وتلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه، ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وإيقاظًا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد» (٨). والشواهد - كما قال الطبري - من الشعر وكلام العرب في الالتفات أكثر من أن تحصى (٩).
ومن الأمثلة ما أورده الطبري عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٩٣] (١٠) وهو قول زهير:
فصحوتُ عنها بعدَ حُبٍّ داخلٍ... والحُبُّ تُشْرِبُهُ فؤادَك داءُ (١١)
حيث استشهد به على أن معنى الآية: أُشْربوا حُبَّ العجل، وأنه ترك ذكر الحب اكتفاءً بفهم السامع لمعنى الكلام «إذ كان معلومًا أَنَّ
_________
(١) انظر: الصناعتين ٣٩٢.
(٢) يونس ٢٢.
(٣) هو النابغة الذبياني.
(٤) انظر: ديوانه ١٤.
(٥) هو أبو كبير الهذلي.
(٦) انظر: ديوان الهذليين ٢/ ١٠١.
(٧) تأويل مشكل القرآن ٢٨٩ - ٢٩٠، تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٥٤.
(٨) الكشاف ١/ ١٤.
(٩) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٥٤.
(١٠) البقرة ٩٣.
(١١) انظر: ديوانه ٣٣٩.


الصفحة التالية
Icon