فنُقدِّر العامِل مُتأخِّرًا نظَرًا لهاتين الفائِدتَيْن.
ونُقدِّره فِعْلًا خاصًّا، فنَقول مثَلًا عند ابتِداء القِراءة: التَّقديرُ: بسم الله أَقرَأُ، وعند الوضوء: التَّقديرُ: بسْمِ الله أتوضَّأ، وعند الأكل: بِسْم الله آكُلُ، وهكذا، وإنما نُقدِّره خاصًّا لأنه أدَلُّ على المَقصود، وَيصِحُّ أن نُقدِّره عامًّا ونَقول: التَّقدير بِسْم الله أَبتَدِئُ أو بِسْم الله أَبدَأُ؛ ولكن الخاصَّ أَوْلى.
فصار عندنا ثلاثة أمور: لا بُدَّ مِنْ مُتعَلَّق مُتأَخِّر خاصٍّ، وتَقدَّم التعليل.
وقوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ مُفرَد مُضاف فيَعُمُّ، وَيكون المَعنى: بكُلِّ اسْمٍ من أسماء الله تعالى أَبتَدِئ، وناسَب ذِكْر ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ دون غيرهما من الأَسْماء لأنها -أيِ: البَسمَلة- يُؤتَى بها للاستِعانة، وأَنسَبُ ما يَكون للاستِعانة هي الرحمة؛ فلهذا أُتبعَ لفظُ الجلالةِ بهذَيْن الاسْمَيْن الكريمين.
قوله تعالى: ﴿اللَّهِ﴾ أَصلُه الإِلهُ، هذا أَصَحُّ ما قيل فيه، وحُذِفت الهمْزة لكَثْرة الاستِعمال؛ كما حُذِفَت الهَمزة من (الناس) وأصلُها (أُناس) وحُذِفت الهَمزة من (شَر) ومن (خَيْر) وأصلُها (أشَرُّ) و (أَخْيَر).
وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ اسْمٌ مِن أَسماء الله تعالى دالٌّ على سَعة رَحْمته عز وجلَّ؛ لأنَّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فَعْلان يَدُلُّ على السَّعة والامتِلاء؛ وانظُرْ ذلك في كلِمة (غَضبان) و (نَدمان) و (سَكران) و (عَطشان) و (رَيَّان) وما أَشبَهَها؛ تَجِدْ أنَّ هذه الصِّيغةَ دالَّةٌ على السَّعة والامتِلاء.
ولهذا قال بعضُ السلَف رَحَمَهُم اللَّهُ: إنَّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ رحمة عامَّة لجميع الخَلْق، وأمَّا ﴿الرَّحِيمِ﴾ فهي: دالَّة على الفِعْل أي: أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يَرحَم برَحْمته الواسِعة.