يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ}، ولا شكَّ أن عمَلَهم بين يَدَيْه آيةٌ له دالَّةٌ على نُبوته ورِسالته، لكن هل يَعمَلون لغير الأنبياء عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ يَقول شَيْخُ الإسلامِ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ: نعَمْ، إنهم يَعمَلون لغير الأنبياء عَلَيْهِ السَّلَامُ، وعمَلُهم لغَيْر الأنبياء عَلَيْهِ السَّلَامُ له سبَبٌ، إمَّا أن يَكون سبَبُه الشِّرْك، بمَعنَى: أنَّ الجِنَّ تَأمُره أن يُشرِك فيَعبُدهم، أو تَأمُره أن يُشرِك فيَعبُد مَن يُعظِّمونه، هذا واحِد، وقد يَكون سبَبُه أنهم يَعشَقون هذا الإنسانَ فيُحِبُّونه حُبًّا؛ يَعنِي: ليس لله تعالى، لكن مَثَلاً لجَمال صُورته أو ما أَشبَهَ ذلك، ومن أسباب ذلك أنهم يَعمَلون له مَحبَّةً لله تعالى؛ لكونهم صالحِين فأَحَبُّوا هذا الرجُلَ الصالِحَ فعمِلوا له، فعمَلُهم له يَقول شيخُ الإسلامِ (٢) رَحِمَهُ اللَّهُ: إن عمِلوا له أمرًا مُحرَّمًا كان ذلك حَرامًا، مثل أن يَستَخدِمهم في أَذِيَّة المُسلِمين، أو في الاعْتِداء على شخص مُعيَّن يُروِّعونه أو يُنفَّرون إِبِلَه، أو ما أَشبَهَ ذلك، فهذا حرام، فإذا استَعان بهم بطريق المَعصية أو من أَجْل المَعْصية كان ذلك حرامًا بلا شَكًّ، أمَّا إذا استَعان بهم في الأَمْر المُباح فإن هذا لا بأسَ به إذا خلا عن شِرْكٍ وعن عُدوان على الغير.
فإن قُلْتَ: إن القول بإِباحة الاستِعانة بهم في غير المَعْصية يُشكِل عليه قولُه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)﴾ [الأنعام: ١٢٨]، فإنَّ ظاهِر هذا أنه لا يَجوز أن يَستَمتِع الجِنُّ بالإِنْس؛ ولا الإِنْس بالجِنِّ؟
(٢) مجموع الفتاوى (١١/ ٣٠٧ - ٣٠٨)، والنبوات (١/ ٥٢٨).