ثبَتَتْ به الأَخبارُ وتَواتَرت، وشاهَدَهُ الناس، وقد ذكَرْنا أن الإمام أحمدَ وشيخَ الإسلام ابنَ تيميَّةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُؤتَى إليهم بالمَصروع فيُخاطِبونه، ويَكون الخِطاب على مَنْ صرَعه، وَيضرِبونه أيضًا ويَكون الضَّرْب على مَن صرَعه، أي: على الصارع لا على المَصروع.
وفي القُرآن ما يُشير إلى ذلك في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، والمَسُّ مَعناه: الصَّرْع؛ ولهذا يُقال: (بِهِ مَسٌّ من الجِنِّ)، أي: صَرع، والذي يَتَخبَّطه الشَّيْطان من المَسَّ؛ يَعنِي: يَكون مُخبَّلًا لا يُحِسُّ ولا يَعرِف؛ قال أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ: إنَّ هؤلاءِ يَقومون مِن قُبورهم كمِثْل المَجانين الذين أَصابَتْهمُ الشَّياطينُ.
وأمَّا إنكار بعض الناس لهذا فقد قال ابنُ القَيَّم رَحِمَهُ اللَّهُ: إن هؤلاءِ الفَلاسِفةِ الذين أَنكَروا ذلك لا يَعلَمون من الشَّرْع كما يَعلَمه أهلُ الشَّرْع، فهم يُنكِرون ما غاب عنهم، ولا يُقِرُّون إلَّا بالشيء المَحسوس، وأَنكَر عليهم إنكارًا عظيمًا في (زاد المعاد) (١).
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الجِنَّ قَد يُشاهَدون، مِن مَفهوم الآية مِن قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ فإن الظاهِر أنهم يُشاهَدون، وهم يَعمَلون بين يدَيْ سُليمانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَعنِي: أَمامَه.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الجِنَّ مُكلَّفون؛ بمَعنَى أنهم إذا خالَفوا عُذِّبوا، ومن تمَام عَدْل الله تعالى أنهم إذا وافَقوا نُعِّموا، أمَّا كَوْنهم يُعذَّبون إذا خالَفوا فهذا أَمْر مُتَّفَق عليه بين العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ، وأمَّا كافِرهم فيَدخُل النار، وأمَّا دُخول مُؤمِنُهم الجَنَّة؛