لهم، فلا يَلزَم على هذا أن يَكونوا مُساوِين للإنس؛ لأن الله يَشرَع الأحكام مُناسِبةً
لمَن شُرِعت له، فهذا المَريضُ مَثَلًا هل عليه صَوْمٌ؟ إذا كان المَريض لا يُرجَى زَوالُ مَرَضِه ففَرْضه الإطعام، والفقير ليس عليه زكاة وليس عليه حَجٌّ.
فلمَّا كان اختِلاف الشرائِع ظاهِرًا بالنِّسبة للإِنْس لاختِلاف أحوالهم فإنه يَلزَم أن تَكون الشرائِع أيضًا مخُتَلِفة في الجِنِّ عن الإِنْس؛ لأنَّ الجِنَّ لا شَكَّ كما قال شيخُ الإسلام (١) رَحِمَهُ اللَّهُ: مخُالِفون للإِنْس في الحَدِّ والحقيقة، وحقيقتهم ليست كحقيقة البَشَر وحدُّهم وحُدودهم وطاقاتُهم ليسَتْ كحُدود وطاقات البَشَر، فإذا كانوا مخُالِفين للبَشَر في الحَدِّ والحقيقة لزِمَ أن يَكونوا مخُالِفين لهم في الأحكام الشرعية، وهذا فيما يُمكِن الاختِلاف فيه.
أمَّا ما لا يُمكِن كالتوحيد وأَصْل الرّسالة وما أَشبَهَ ذلك فهذا أَمْرٌ نَعلَم عِلْم اليْقين أن الجِنَّ مُساوُون للإِنْس في تلكَ الأحكامِ، لكن الكلامَ على المَسائِلِ الفَرْعية التي يَختَلِف فيها المُخاطَبون لاختِلاف أحوالهم.
فالمَسألةُ فيها احتِمالان، ولكن شَيْخ الإسلام (٢) رَحِمَهُ اللَّهُ جزَمَ بأن الأحكام التي كُلِّف بها الجِنُّ تُخالِف الأحكام التي كُلَّف بها الإنسُ، وأنهم مُكلَّفون بالجُمْلة بدون أن يُساوُوا الإِنْس، والعِلْم عند الله تعالى.

(١) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٣٣).
(٢) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٣٣).


الصفحة التالية
Icon