فالجوابُ: إنَّنا لا نَجزِم بذلك، ولكن قد يُعثَر على بعضهم لم تَأكُلْهمُ الأَرْضُ، والجزْم لا يَكون إلَّا في الأنبياء فقَطْ.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ بِالْهَمْزةِ أَلِفٍ] يَعنِي فيها قِراءَتان: (مِنْسأَتَه)، القِراءة الثانية: اجعَلِ الهَمزة أَلِفًا أي: (مِنسَاتَهُ)؛ ولهذا قال: [بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ]، ولكن إذا ترَكناه يَكون ألِفًا؛ لأنه يُنسَأ ويُطرَد ويُزجَر بها، كأن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يُريد أن يُبيَّن اشتِقاق هذه الكَلِمةِ، وأنها من النَّسَأ، أي: الطَّرْد والزَّجْر، فإن الإنسان يَزجُر بعَصاه بحَزَّها على مَن يُوجِّه إليه الخِطاب وَيطرُد بها بالضَّرْب، وهذا يَدُلُّ على أن الكلِمة عرَبيَّة.
ولكن بعض المُفسِّرين يَقولون: إن الكلِمة غيرُ عرَبية، وإنها من الكلام الذي عُرِّب، وإذا كان من الكلام المُعرَّب فإنه لا يُشتَقُّ لها من العربية، فكُلُّ كلِمة لها اشتِقاق في العربية فإنها تَكون عربية، وعلى كُلِّ حال: فالخُلْف في هذا سَهْل.
المُهِمُّ: أن المِنسَأَة كلِمةٌ واحِدة، وهي [العَصَا يُطْرَدُ] بها الشيء [وَيُزْجَرُ بِهَا].
وقوله: ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ [مَيْتًا]، ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ الجُمْلة كما تُشاهِدون جُمْلة شَرْطية، وأداة الشَّرْط فيها (لمَّا) وقد سبَق لنا أن (لمَّا) تَأتِي لعِدَّة مَعانٍ: تَكون شَرْطية، وتَكون للنَّفْي، وتَكون بمَعنَى (إلَّا)، والرابع أن تَكون ظَرْفًا بمعنى (حين)، وهُنا استُعمِلت شَرْطية بدليل أنه جاء بعدَها شَرْطٌ، وجوابُه: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ﴾، ونافِية كقوله تعالى: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨)﴾ [ص: ٨]، أي: لم يَذوقوا عَذابي، وتَأتي بمَعنَى (إلَّا) كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)﴾ [الطارق: ٤]، أي: إلَّا عليها حافِظ، وتَأتِي بمَعنى (حين) أي: ظَرْفًا، مثل أن تَقول: أَكرَمْتَنِي لمَّا زُرْتُكَ. أي: حين زُرْتُكَ، إِذَنْ لها أربعةُ مَعانٍ، أو تَأتي على أربَعةِ أَوْجُهٍ.


الصفحة التالية
Icon