قال الله عَزَّ وَجلَّ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] فيُجيب الله: حمِدني عَبْدي. فإذا قال العبدُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ٣] يُجيب الله تعالى: أَثنَى علىَّ عبدي (١). والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يُحمَد على ما لَه من الكَمال الذاتيِّ، والكَمال المُتعدِّي للغير، أي: على كَماله بذاته وعلى كماله بفِعْله وإحسانه عَزَّ وَجلَّ فيُحمَد على الأَمْرين جميعًا، أمَّا غيره فلا يُحمَد إلَّا على فِعْله إِنْ كان فِعْله ممَّا يُحمَد عليه، أمَّا حَمْدٌ للذات نفسِها فهذا لا يَكون إلَّا لله تعالى.
فمثَلًا إذا حَمِدْنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على ما لَه من صِفات الكَمال؛ كالسَّمْع والبصَر والعِلْم والقُدْرة والعظَمة وما أَشبَهها، فهذا حَمْدٌ على الكمال الذاتيِّ، وإذا حَمِدْنا الله تعالى على ما لَه من الإحسان والإنعام فهو حَمْدٌ على الكَمال المُتعدِّي، فإذا حَمِدْناه عَزَّ وَجلَّ على إنزال الغَيْث وإنزال الكُتُب وإرسال الرُّسُل ودَفْع الضَّرَر فهذا حَمْد على الكَمال المُتعدِّي.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ مُلْكًا وخَلْقًا] ﴿الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ هذا كالتَّعليل للحَمْد؛ لأنَّ هذا الوَصْفَ يَدُلُّ على العِلِّيَّة؛ أي: يَحمَد الله تعالى نَفْسَه؛ لأنه مالِك لما في السَّمَوات وما في الأرض.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَشمَل العُقَلاء وغيرَ العُقَلاء؛ ولهذا أَتَى بـ ﴿مَا﴾ لأَجْل أن يَشمَل هؤلاءِ وهؤلاءِ؛ وإنما غُلِّبَ غيرُ العُقَلاء؛ لأنَّهم أكثَرُ من حيثُ النَّوْع، أمَّا مِن حيث العَدَد فإنَّ في ذلك شَكًّا؛ لأنَّ الملائِكة عليهم الصلاة والسلام لا شَكَّ أنهم من العُقَلاء، وهم لا يُحصيهم إلَّا الله عَزَّ وَجلَّ؛ "مَا مِنْ