القَبيلةِ سَبَأ صار الاستِثْناءُ مُتَّصِلًا.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [لِلْبَيَانِ] يَعنِي: (مِنْ) بَيانية، وليسَت تَبعِيضيَّة؛ لأنها لو كانت للتَّبعيض لكان المَعنى: إلَّا فريقًا من المُؤمِنين نجا منهم، وفريقٌ آخَرُ لم يَنْجُ، وهذا المعنى فاسِد، وعلى هذا فتَكون (مِنْ) للبَيان ﴿إِلَّا فَرِيقًا﴾ مَن هؤلاء الفريقِ؟ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: هُمُ المُؤْمِنُونَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وهذا المَعنى دَقيقٌ، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ مِثالُه جَيِّد، إذا قُلْت: جاء فريقٌ من القَوْم؛ وهل جاء كلُّهم؟
الجوابُ: لا؛ لأنَّ (مِنْ) للتَّبْعيض ﴿إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إذا جعَلْنا (مِنْ) للتَّبعيض كما هي في قولكَ: (جاءَ فَريقٌ من القومِ) فسَد المَعنَى؛ لأنَّ المُؤمِنين كلُّهم لم يَتَّبِعوه؛ ولهذا احتاج المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَجعَل (مِنْ) بَيانية، وتَكون (المُؤْمِنينَ) بَيانًا لقوله: ﴿فَرِيقًا﴾ كأنَّه قال: فاتَّبِعوه إلَّا المُؤمِنين، هذا مَعنَى الآية.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أن إِبليسَ يُوصَف بالصِّدْق ويُوصَف بالكذِب، وأما الوَصْفُ اللازِم له فهو الكَذِب؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)﴾ [النساء: ١٢٠]، ولكن قد يَصدُق كما قال النبيُّ - ﷺ -: "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ" (١).
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الإِيمان حاجِز عنِ اتِّباع الشيطان؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ ولهذا كثيرًا ما يَمُرُّ بكم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ كذا وكذا"، "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ بكذا وكذا"، أو "فَلْيَفْعَلْ كذا وكذا"

(١) أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلًا، رقم (٢٣١١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon