﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨]، وتارةً بذِكْر صُعود الأشياء إليه مِثْل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، وتارةً بذِكْر نُزول الأَشْياء منه، مِثل قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ٥]، فقَدْ تَنوَّعَتِ الأدِلَّة من كِتاب الله تعالى على عُلوِّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعالى.
وأمَّا السُّنَّة فكذلك، دلَّتِ السُّنَّة على عُلوِّ الله تعالى بِذاته من قول الرسول - ﷺ - وفِعْله وإِقْراره؛ فقال عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "رَبُّنا الله الَّذِي فِي السَّمَاءِ" (١)، وقال -صَلَّى الله عليه وسلم-: "أَلا تَأْمَنُونِي وَأَنا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ" (٢)، وأمَّا فِعْله فإنَّه في يوم عرَفة وهو يَخطُب النَّاس عندما خطَب تلكَ الخُطْبة العظيمةَ قال - صَلَّى الله عليه وسلم- لهم: "أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهمَّ اشْهَدْ"، يَرفَع أُصبُعه إلى السَّماء وَينكُتها إلى النَّاس، "اللَّهمَّ اشْهَدْ" (٣)، هذه سُنَّة فِعْلية، بإِشارته - ﷺ - إلى السماء حين ذَكَر الله تعالى، وأمَّا الإقرارية فإنَّه أُتِيَ إِلَيْهِ بِجَارَيةٍ فَسَأَلها فَقَالَ: "أَيْنَ الله؟ قَالَتْ: فِي السَّماءِ. قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" (٤)، هكذا قال، ويُعتَبر هذا إقرارًا، فقد تَنوَّعَتِ السُّنَّة بالدَّلالة على عُلوِّ الله تعالى بذاته.
وأمَّا الإِجْماع فقد أَجمَع السلَف من الصّحابة والتابعين وأَئِمَّة الأُمَّة على أنَّ الله تعالى في السَّماء بذاته، ولم يَقُلْ أحَدٌ مِنهم بحرفٍ واحِد أبدًا: إن الله تعالى ليس في السماء. أو: إنَّ الله تعالى في كل مَكان بذاته.
(٢) أخرجه البُخاريّ: كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب (٤٣٥١)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم (١٠٦٤)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم-، رقم (١٢١٨)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٤) أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصَّلاة، رقم (٥٣٧)، من حديث معاوية ابن الحكم السلمي - رضي الله عنه -.